ولا ينحصر وجه التجوّز في التّلازم ، فقد يتجوّز بأحد الضدّين عن الآخر ، بل العلاقة وهي موجودة بين الواجب والندب من حيث التقابل ، أو بين الواجب وأصل الترجيح من حيث الكل والجزء.
ولا نسلّم أنّ المعصية مرتّبة على مخالفة مطلق الأمر ، بل الّذي للوجوب ، وقد تقدّم.
وللدليل تقرير آخر ، وهو أنّ تارك المأمور به عاص ، لأنّ بناء العصيان على الامتناع ، ومنه سمّيت العصا ، للامتناع ، والجماعة عصا ، لمنع اجتماعهم ، والكلام مستعص أي ممتنع حفظه.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو لا أنّا نعصي الله لما عصانا» (١) أي لم يمتنع من إجابتنا.
فإذا كان لفظ «افعل» يقتضي الفعل ، كان الامتناع عنه عصيانا ، فيكون الأمر للوجوب ، لأنّ الإنسان إنّما يكون عاصيا للأمر وللامر إذا أقدم على ما يمنع الامر منه ، فإنّه تعالى لو أوجب علينا فعلا ولم نفعله كنّا عصيناه ، بخلاف ما لو ندب.
ولأنّ العاصي للقول مقدّم على مخالفته ، والمخالفة إمّا بالإقدام على ما يمنع منه الامر ، أو قد تثبت بما لا يتعرّض له الأمر بمنع ولا إيجاب.
والثاني باطل ، وإلّا لكنّا عصيناه بالصدقة اليوم إذ أمرنا بالصلاة غدا ، فيتعيّن الأوّل ، وإذا كان تارك ما أمر به عاصيا للأمر ، والعاصي للأمر هو المقدم على مخالفة مقتضاه ، والمقدم على مخالفة مقتضاه ، مقدم على ما يحظره الامر ، ثبت أنّ تارك المأمور به يحظره الامر ، وهو معنى الوجوب (٢).
__________________
(١) نقله ابن الأثير في نهايته : ٣ / ٢٥١ ، وابن منظور في لسان العرب : ٩ / ٢٥١ (مادّة عصى).
(٢) الاستدلال مذكور في المحصول للرازي : ١ / ٢١٧.