النّدب يقتضي الشكّ في المخالفة ، فيجب حمله على الوجوب ، لقوله عليهالسلام : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (١).
ولأنّه إذا تعارض طريقان : أحدهما امن قطعا والآخر مخوف ، وجب عقلا ترجيح الامن.
لا يقال : نمنع أنّ حمله على المندوب يقتضي الشكّ في الإقدام على المحظور.
قوله : بتقدير الوجوب يكون حمله على المندوب سعيا في الترك ، وأنّه محظور.
قلنا : نمنع إمكان كون المأمور به واجبا ، فإنّا لو علمنا بدلالة لغويّة : أنّ الأمر لم يوضع للوجوب ، وعلمنا من الحكيم عدم تجرّده عن القرينة إلّا وهو غير واجب ، فإذا حملناه على الندب أمنّا الضرر.
مع أنّ حمله على الوجوب يحتمل الضرر ، إذ بتقدير انتفائه ، كان اعتقاد كونه واجبا ، جهلا ، وتكون نيّة الوجوب قبيحة ، وكراهة أضداده قبيحة.
لأنّا نقول : إذا علمنا أنّ «افعل» لا يجوز استعماله إلّا في الوجوب أو الندب ، فقبل علمنا بالتعيين ، لو حملناه على الوجوب ، لم نخالف الأمر قطعا ، ولا نقطع بعدم المخالفة لو حملناه على النّدب ، فيقتضي العقل حمله على الوجوب قبل العلم بالتعيين ، ليحصل القطع بعدم المخالفة.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٢٧ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥٦ ، وعوالي اللئالي : ١ / ٣٩٤ ، وأخرجه الترمذي في سننه : ٤ / ٦٦٨ ، رقم الحديث ٢٥١٨ ؛ والنسائي في سننه : ٨ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ؛ وأحمد بن حنبل في مسنده : ١ / ٢٠٠ ؛ والحاكم في المستدرك : ٤ / ٩٩.