لأنّا نقول : لمّا خيّر الله تعالى بينه وبين غيره ، فقد أباح تركه ، وإيجابه على التعيين معناه : أنّه لا يجوز تركه وإن فعل غيره ، ولا شكّ في التنافي بينهما.
وقبل : اختيار المكلّف لا بدّ من الوجوب ، فمحلّه إن كان معيّنا ، كان منافيا للتخيير.
وإن كان غير معيّن ، فهو محال الوجود ، وأيضا فليس محلّ النزاع.
وإن كان [الواجب] الجميع بشرط التخيير فهو المطلوب.
والإجماع واقع على أنّ الآتي بأيّ الخصال كان ، أتى بالواجب لا ببدله.
احتجّ المخالف بوجوه :
الأوّل : لو لم يكن الواجب واحدا معيّنا ، لكان المكلّف إذا فعلها أجمع ، فالمقتضي لسقوط الفرض إن كان هو الجميع ، كان الجميع واجبا ، ولا شك في أنّ الإتيان بالكلّ ليس بواجب ، وإن كان كلّ واحد ، لزم اجتماع العلل المستقلّة بالتأثير على المعلول الواحد ، وهو محال ، وإلّا لزم أن يكون بكلّ واحد منها واجب الوجود ، فيستغنى عن الآخر ، لكن المؤثّرات معا ، فالاستغناء معا ، لكنه محتاج ، فيلزم أن يكون غنيّا عنها معا ومحتاجا إليها معا ، هذا خلف.
وإن كان [سقوط الفرض] بواحد ، استحال أن يكون غير معيّن ، لأنّ غير المعيّن لا وجود له في الخارج ، والأثر المعيّن موجود في الخارج ، فلا يكون معلولا له ، فلا يكون سقوط الفرض معلّلا بما يمتنع الإتيان به في الخارج ، فيكون معيّنا ، وليس معيّنا عندنا ، فيكون [معيّنا] عند الله تعالى ، وهو المطلوب.