سلّمنا أنّ الامر بالشيء قد يكون غافلا عن ضدّه ، كما أنّ الأمر بالصّلاة أمر بمقدّماتها وإن غفل عنها ، فليجز هنا مثله ، على أنّ هذا إنّما يرد على من قال : الأمر بالشيء نهي عن ضدّه مطلقا ، أمّا نحن حيث قيّدنا ذلك بشرط حضور الضدّ فلا.
والعجب أنّ الغزالي حكم بأنّ الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضدّه ، ولا يتضمّنه ، ولا يستلزمه ، ومع ذلك أجاب عن اعتراضه بما ذكره. والإلزام القطعيّ إنّما يتمّ لو قلنا : إنّ المباح منهيّ عنه لذاته ، أمّا إذا قلنا : إنّه منهيّ عنه لما يستلزم من ترك الواجب فلا امتناع عنه (١).
ولا استبعاد أيضا في تحريم الصّلاة إذا استلزمت ترك واجب آخر وإن كانت واجبة لذاتها ، لإمكان اجتماع الوجوب والتحريم بالنظر إلى جهتين ، على أنّا نمنع وجوب ما يمنع واجبا آخر.
وأمّا القاضي أبو بكر فقد استدلّ بوجهين :
الأوّل : السكون عين ترك الحركة ، كما أنّ شغل الجوهر بحيّز انتقل إليه عين مفارقته للحيّز المنتقل عنه ، والقرب من المغرب عين البعد من المشرق ، فهو فعل واحد له إضافتان : إحداهما القرب بالنسبة إلى المشرق ، والاخرى البعد بالنّسبة إلى المغرب ، وكون واحد بالإضافة إلى حيّز شغل وإلى آخره تفريغ.
وإذا كان السّكون عين ترك الحركة ، كان طلب السكون عين ترك (٢) الحركة ، فهو طلب واحد ، بالإضافة إلى السّكون أمر ، وإلى الحركة نهي.
__________________
(١) في «ب» و «ج» : فلا امتناع فيه.
(٢) في «ب» : عين طلب ترك.