يقوم بذاته زجر ـ عن أضداده ـ مقصود (١) إلّا من حيث يعلم أنّه لا يمكن فعل المأمور به إلّا بترك أضداده ، فيكون ترك أضداد المأمور به ، لزمه بحكم ضرورة الوجود ، لا بحكم ارتباط الطلب به ، حتّى لو تصوّر على الاستحالة ، الجمع بين القيام والقعود إذا قيل له : «قم» فجمع ، كان ممتثلا ، لأنّه لم يؤمر إلّا بإيجاد القيام ، وقد أوجده.
قال الغزّالي : من ذهب إلى هذا المذهب لزمه فضائح الكعبي (٢) حيث أنكر المباح وقال : وما من مباح إلّا وهو ترك لحرام ، فهو واجب ، فيلزمه وصف الصّلاة بأنّها حرام ، إذا ترك بها الزكاة الواجبة.
ثمّ اعترض على نفسه : بأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب ، ولا يتوصّل إلى شيء إلّا بترك ضدّه. فيكون واجبا.
وأجاب : بأنّه واجب ، وإنّما الخلاف في إيجابه هل هو عين إيجاب المأمور به أو غيره؟ (٣).
والجواب : المنع من إيجاب الشيء حال الغافلة عن تركه ، لما بيّنا من أنّ الوجوب ماهيّة مركّبة من أمرين : أحدهما المنع من الترك ، فلا يتحقّق من دونه ، أمّا الأضداد الوجوديّة ، فإنّه يمكن الغافلة عنها ، وتلك لا تنافي الشيء لذاتها ، بل لكونها مستلزمة عدم ذلك الشيء ، فالمنافاة بالذّات ، إنّما هي بين الشيء وبين ذلك اللّازم ، أمّا بينه وبينها ، فإنّها بالعرض.
__________________
(١) وصف لزجر.
(٢) تقدّمت ترجمته ص ٣٨٩.
(٣) المستصفى : ١ / ١٥٥ ـ ١٥٦.