الرابع : أن يقال : الأمر بالشيء يقتضي حسنه ، أو كونه ندبا ، وحسن الشيء يقتضي قبح ضدّه ، وأنّ الأمر (١) يدلّ على إرادة المأمور به ، وإرادة الشيء كراهة ضدّه ، أو يتبعها لا محالة كراهة ضدّه ، إمّا من جهة الصحّة ، أو من جهة الحكمة ، والحكيم لا يكره إلّا القبيح ، وهذا كلّه باطل بالنّوافل ، فإنّها حسنة ومرادة ، وليست أضدادها قبيحة ولا مكروهة. (٢)
والأقرب أن نقول : الأمر بالشيء يستلزم كراهة ضدّه العامّ ، أعني الإخلال به ، إمّا كراهة تحريم إن قلنا : إنّ الأمر للوجوب ، أو كراهة تنزيه إن قلنا : إنّ الأمر للنّدب ، بشرط عدم الغافلة عن الضدّ العامّ.
برهانه : أنّ الوجوب ماهيّة مركّبة من قيدين : أحدهما طلب الفعل ، والثاني المنع من التّرك ، ولا يتحقّق المركّب دون تحقّق أجزائه ، فيلزم من ثبوت الأمر بالشيء ، النّهي عن تركه ، الّذي هو طلب تركه.
وأيضا ، إمّا أن يمكن اجتماع الطّلب الجازم مع الإذن بالإخلال ، أو لا ، والأوّل محال ، لاستحالة الجمع بين النّقيضين ، والثاني هو المطلوب ، فإنّا لا نعني بقولنا : «الأمر بالشيء نهي عن ضدّه» سوى ذلك.
واعلم أنّ الخلاف هنا مع نفرين (٣) : أحدهما القائلون بعدم الاستلزام ، كالغزّالي والمرتضى ، والثّاني القائلون بالاتّحاد ، كالقاضي أبي بكر.
أمّا الأوّلون ، فقد احتجّوا بأنّ الامر بالشيء ، قد يكون غافلا عن ضدّه ، والنّهي ، يستلزم الحضور ، فإن أمر ولم يكن ذاهلا عن أضداد المأمور به ، فلا
__________________
(١) كذا في المصدر ، ولكن في النّسخ الّتي بأيدينا : «أو أنّ الأمر».
(٢) المعتمد : ١ / ٩٧ ـ ٩٨.
(٣) في «أ» : مع تقريرين.