يسمّوا الأمر نهيا على الحقيقة ، وهو باطل ، لأنّ أهل اللّغة فرّقوا بين الأمر والنّهي في الاسم ، فسمّوا هذا أمرا وذاك نهيا.
وأمّا المعنى ، فمن وجهين : أحدهما أن يقال : إنّ صيغة «لا تفعل» وهي النهي ، موجودة في الأمر ، وهذا لا يقوله أحد ، فإنّ الحسّ يدفعه.
والثاني أن يقال : الأمر نهي عن ضدّه في المعنى ، من حيث إنّه يحرم ضدّه ، وهذا يكون من وجوه :
الأوّل : أن يقال : إنّ صيغة الأمر تقتضي إيقاع فعل ، ويمنع من الإخلال به ومن كلّ فعل يمنع من فعل المأمور به ، فمن هذه الجهة يكون محرّما لضدّ المأمور به ، وهو صحيح لما تقدّم من أنّ الأمر للوجوب.
الثاني : أن يقال : إنّ الأمر يقتضي الوجوب لدليل سوى هذا الدّليل ، فإذا تجرّد الأمر عن دلالة تدلّ على أنّ أحد أضداد المأمور به ، يقوم مقامه في الوجوب ، اقتضى قبح أضداده ، إذ كلّ واحد منها يمنع من فعل المأمور به ، وما منع من فعل الواجب ، فهو قبيح ، وهذا أيضا صحيح إذا ثبت أنّ الأمر للوجوب.
الثالث : أن يقال : إنّ الأمر يدلّ على كون المأمور به ندبا ، فيقتضي أنّ الأولى ألا يفعل ضدّه ، كما أنّ النّهي على طريق التنزيه يقتضي أنّ الأولى أن لا يفعل المنهيّ عنه ، وهذا لا يأباه القائلون بأنّ الأمر للندب (١) على أنّه لو سمّي الأمر بالندب نهيا عن ضدّ المأمور به ، لكنّا منهيّين عن البيع وغيره من المباحات ، لأنّا مأمورون بأضدادها من النّدب.
__________________
(١) في المصدر : على الندب.