قال : وقد كان شيخ من متقدّمي الشافعيّة ، وقد استدللت بهذه الطريقة ، فقال [لي] : إنّا نقول : إنّ الكفّار مخاطبون بالتروك دون الأفعال ، لافتقارها إلى كونها قربة ، دون التروك.
فقلت : هذا خلاف الإجماع ، إذ النّاس بين قائلين :
أحدهما قال : بأنّهم مخاطبون بالجميع.
والثاني : إنّهم غير مخاطبين بشيء أصلا.
سلّمنا ، لكن القربة معتبرة في تروك هذه القبائح ، كما اعتبرت في الأفعال ، لأنّا أمرنا بترك الزّنا قربة إلى الله تعالى ، فمن لم يتركه لذلك ، لا يستحقّ مدحا ، ولا ثوابا ، ولا يكون مطيعا لله تعالى ، ولا ممتثلا لأمره.
وإذا لم تصحّ القربة من الكافر [وهو كافر] لم يجز أن تقع منه على الوجه المشروع ، لا فعلا ولا تركا. (١)
الخامس : لو لم يتعبّد الكافر بالشّرع ، لكان معذورا في تكذيب النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والامتناع من تصديقه ، والتالي باطل بالإجماع ، فكذا المقدّم.
بيان الشرطيّة : أنّ الغرض في تصديقه صلىاللهعليهوآلهوسلم هو المعرفة بشرائعه ، كما أنّ الغرض في بعثته هو أداؤه الشرائع ، فمن لم يكلّف ما هو الغرض في إيجاب التصديق ، لا يجوز أن يكون مكلّفا بالتّصديق.
السادس : التكليف جائز عقلا ، وقد وقع.
أمّا المقدّمة الأولى ، فلأنّه لو خاطب الشارع الكافر المتمكّن من فهم
__________________
(١) الذّريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٧٧ ـ ٧٨ باختلاف يسير.