والنبيّ صلىاللهعليهوآله ليس بامر لنا ، بل أخبر بأنّ الله تعالى يأمر المكلّفين عند وجودهم ، بما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيصير إخبارا عن الله تعالى بأنّه سيأمرهم عند وجودهم ، ولا نقول : الأمر حصل عند عدم المأمور.
سلّمنا ، لكنّ الفرق ظاهر ، فإنّ أمر النبي صلىاللهعليهوآله حصل في الحال من سمعه وبلّغه (١) إلينا ، بخلاف ما ذهبتم إليه ، حيث لم يكن في الأزل من يسمع خطابه تعالى ، وينقله إلينا.
وقد اعتذر بعضهم بمساواة أمر الله تعالى لأمر الرّسول ، في كونه خبرا في نزول العقاب على من ترك الفعل (٢).
وليس بصحيح ، لامتناع تطرّق التصديق والتكذيب ، ولجواز العفو ، والخلف في خبر الله تعالى محال.
ولأنّه لو كان في الأزل مخبرا : فإمّا لنفسه ، فهو عبث ، تعالى الله عنه ، وإمّا لغيره ، ولا غير هناك ، فيكون عبثا أيضا.
واعتذار عبد الله بن سعيد (٣) «بأنّ كلامه في الأزل ليس بأمر ، ولا نهي ، ولا خبر ، ولا استخبار ، ثمّ يصير فيما لا يزال كذلك» غير معقول ، (٤) إذ لا يعقل كلام إلّا على أحد الأساليب المعروفة عند العقلاء.
__________________
(١) أي وجد في الحال من سمع ذلك الأمر وبلّغه إلينا.
(٢) لاحظ الكاشف عن المحصول للرازي : ٤ / ٩٤.
(٣) عبد الله بن سعيد بن كلّاب أبو محمد القطان ، متكلّم من العلماء توفّي سنة ٢٤٥ ه يقال له : «ابن كلاب» وكلاب بضم الكاف وتشديد اللام ، قيل لقّب بها ، لأنّه كان يجتذب الناس إلى معتقده إذا ناظر عليه ، كما يجتذب الكلاب الشيء ، لاحظ الأعلام للزركلي : ٤ / ٩٠.
(٤) قوله : «غير معقول» خبر لقوله «واعتذار ...».