وإن كان مميّزا ، فهو وإن فهم ما لا يفهمه غير المميّز ، إلّا أنّه قاصر الفهم ، لا يعرف ما يعرفه كامل العقل ، من وجود الله تعالى ، وبيان صفاته على التفصيل.
فنسبته إلى غير المميّز ، كنسبة غير المميّز إلى البهيمة.
وإن قارن البلوغ ، بحيث لم يبق بينه وبين البلوغ سوى لحظة واحدة ، فإنّه ، وإن كان فهمه كفهم البالغ ، غير أنّه لمّا كان العقل والفهم [فيه] خفيّا ، وظهوره يقع على التدريج ، ولم يكن [له] ضابط يعرف به ، جعل الشّرع له ضابطا ، [و] هو البلوغ ، وأسقط التكليف عن قبله ، تخفيفا عليه.
لا يقال : الصبيّ يجب عليه الزّكاة والضمان ، وهو نوع تكليف ، ويؤمر المميّز بالصّلاة.
لأنّا نقول : الزّكاة والضّمان لم يتعلّقا بفعل الصّبيّ ، بل بماله أو بوليّه المكلّف بالإخراج عنه ، أو بذمّته ، فإنّه أهل الذمّة من حيث الإنسانيّة المتهيّئ بها لفهم الخطاب عند البلوغ ، بخلاف البهيمة ، وليس ذلك من باب التكليف.
وأمّا الأمر بالصّلاة للمميّز ، فليس من جهة الشارع ، بل من جهة الوليّ ، ويفهم خطابه ، بخلاف خطاب الشّرع.
الثاني : العقل : فلا يحسن تكليف المجنون ، لأنّ التكليف خطاب ، وخطاب من لا عقل له قبيح ، كخطاب الدّابّة.
ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رفع القلم عن ثلاثة : عن الصّبيّ حتّى يبلغ ، وعن النائم حتّى يستيقظ ، وعن المجنون حتّى يفيق» (١).
__________________
(١) تقدّم مصدر الحديث ص ٥٩٠.