فأمّا الأشاعرة فقد رسمه القاضي أبو بكر بأنّه ما يذمّ تاركه شرعا على بعض الوجوه. (١)
فقولنا : «يذمّ» خير من قولنا : يعاقب تاركه ، لأنّ الله تعالى قد يعفو عن العقاب ، ولا يقدح ذلك في وجوب الفعل ، ومن قولنا : يتوعّد بالعقاب على تركه ، لأنّ الخلف في خبر الله تعالى محال ، وكان ينتفي (٢) العفو ، ومن قولنا : ما يخاف العقاب على تركه ، فإنّ المشكوك في وجوبه وحرمته يخاف من العقاب على تركه مع أنّه غير واجب.
وقولنا : «شرعا» ليخرج عنه مذهب من يوجب الأحكام عقلا.
وقولنا : «على بعض الوجوه» ليدخل فيه المخيّر ، فإنّه يلام على تركه إذا ترك معه بدله ، والموسّع لأنّه يذمّ إذا أخلّ به في جميع الوقت ، والواجب على الكفاية ، لأنّه يذمّ إذا أخلّ به الجميع.
وأورد على طرده السّاهي والنّائم والمسافر وغيرهم من أصحاب الأعذار ، فإنّ الصوم لا يجب عليهم ، ويذمّون على تركه على وجه وهو انتفاء الأعذار ، فهؤلاء يذمّون على تركه على وجه وليس واجبا.
فإن أجاب بأنّ الوجوب ثابت على ذلك التقدير وإنّما يسقط بالنوم والسهو والسفر.
قلنا : فالواجب على الكفاية والموسّع والمخيّر يسقط بفعل البعض وبفعل في آخر الوقت وبفعل بدله ، فلا حاجة إلى القيد في الكفاية ، كما لم يحتج في المسافر وغيره.
__________________
(١) لاحظ التقريب والإرشاد : ١ / ٢٩٣.
(٢) كذا في «أ» و «ب» ولكن في «ج» : فكان ينبغي.