وعلى هذا الوجه لزم العاقلة الدّية شرعا وإن لم يكن من جهتهم فعل لا قبيح ولا حسن ، وإنّما صار القتل سببا شرعيّا لوجوب ذلك عليهم.
والتحقيق أن نقول : الإنسان إمّا أن يصدر عنه فعله وليس هو على حالة تكليف ، كالنائم والساهي والمجنون والطفل ، وهذه لا يتوجّه عليها وعلى فاعلها لحوق مدح أو ذمّ (١) وإن تعلّق بها وجوب الضمان في مالهم ، ويخرجه الولي.
وإمّا أن يكون على حالة تكليف ، فإن كان للقادر عليه ، المتمكّن من العلم بحاله ، فعله فهو الحسن وإلّا فهو القبيح ، فالقبيح هو الّذي ليس للمتمكّن منه ومن العلم بقبحه أن يفعله ، ومعنى «ليس له [أن يفعله]» معقول ، ويتبع ذلك أن يستحقّ الذمّ بفعله.
ويعرّف أيضا بأنّه : الّذي على صفة لها تأثير في استحقاق الذمّ.
والحسن ما هو للقادر عليه المتمكّن من العلم بحاله أن يفعله ، أو ما لم يكن على صفة تؤثّر في استحقاق الذمّ.
واعترض (٢) بأنّ العاجز يقال : ليس له أن يفعل ، وللقادر الممنوع عنه حسّا ، وللقادر مع النفرة ، وللقادر المزجور عنه شرعا.
والأوّلان غير مرادين ولا الثالث ، لأنّه قد يكون حسنا مع قيام النفرة الطبيعيّة عنه وبالعكس ، ولا الرابع لعوده إلى الشرع حينئذ ، ولا القدر المشترك وهو مطلق المنع إذ لا اشتراك ، فإنّ معنى الأوّل : نفي القدرة عليه ، وهو عدميّ ، والرابع : أنّه يعاقب عليه ، وهو وجوديّ ولا اشتراك بينهما.
__________________
(١) كذا في «ج» ولكن في «أ» و «ب» : وهذه لا يتوجّه عليها نحو فاعلها مدح.
(٢) المعترض هو الفخر الرازي في المحصول : ١ / ٢٢.