المسألتين واحد ، لأنّا قد بيّنا أنّ الشعر الكثيف إذا علا البشرة انتقل الفرض إليه.
[الرابع : قال الناصر رحمهالله :] «يدخل المرفقان في الوضوء».
وهذا صحيح ، وعندنا أنّ المرافق يجب غسلها مع اليدين ، وهو قول جميع الفقهاء إلّا زفر بن الهذيل وحده.
وحكي عن أبي بكر بن داود الاصفهاني مثل قول زفر في هذه المسألة (١).
دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه : إجماع الفرقة المحقّة.
وأيضا قوله تعالى : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ولفظة (إلى) قد تستعمل في الغاية ، وتستعمل أيضا بمعنى مع ، وكلا الأمرين حقيقة.
قال الله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) (٢) أراد ـ بلا خلاف ـ مع أموالكم.
وقال تعالى حاكيا عن عيسى عليهالسلام : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) (٣) أراد مع الله.
وتقول العرب : ولي فلان الكوفة إلى البصرة ؛ وإنّما يريدون مع البصرة من غير التفات إلى الغاية.
ويقولون أيضا : فعل فلان كذا ، وأقدم على كذا هذا إلى ما فعله من كذا وكذا ، وإنّما يريدون مع ما فعله.
وبعد ، فإنّ لفظة (إلى) إذا احتملت الغاية ، واحتملت أن تكون بمعنى «مع» ، فحملها على معنى «مع» أولى ، لأنّه أعمّ في الفائدة ، وأدخل في الاحتياط لفرض الطهارة.
وشبهة من أخرج المرافق من الوضوء أنّه جعل (إلى) للغاية والحدّ ، وظنّ أنّ الحدّ لا يدخل في المحدود.
وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ لفظة (إلى) مشتركة بين الغاية وغيرها ، ولو حملت على الغاية لكان دخول المرافق واجبا ؛ لأنّه أولى في باب الاستظهار
__________________
(١) المغني (لابن قدامة) ، ١٠٧ : ١.
(٢) سورة النساء ، الآية : ٢.
(٣) سورة الصف ، الآية : ١٤.