في حياته لا شكّ في أنها منزلة منه ، وواجبة بقوله الذي ورد به القرآن ، فأما ما أوجبناه من استخلافه الخلافة بعده فلا مانع من إضافته أيضا إلى موسى عليهالسلام ؛ لأنّه من حيث استخلفه في حياته وفوض إليه تدبير قومه ولم يجز أن يخرج عن ولاية جعلت له ، وجب حصول هذه المنزلة له بعد الوفاة ، فتعلّقها بموسى عليهالسلام تعلّق قويّ ، فلم يبق إلّا أن نبيّن استأنفناها ، والذي يبيّنه أن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» لا يقتضي ما ظنّه السائل من حصول المنازل بموسى عليهالسلام ومن جهته ، كما أن قول أحدنا : أنت منّي بمنزلة أخي منّي أو بمنزلة أبي منّي لا يقتضي كون الاخوة والأبوة به ومن جهته ، فليس يمكن أحدا أن يقول في هذا القول : إنّه مجاز أو خارج عن حكم الحقيقة ، ولو كانت هذه الصيغة تقتضي ما ادعى لوجب أيضا أن لا يصحّ استعمالها في الجمادات ، وكلّ ما لا يصحّ منه فعل ، وقد علمنا صحّة استعمالها فيما ذكرناه ؛ لأنّهم لا يمنعون من القول بأن منزلة دار زيد من دار عمرو بمنزلة دار خالد من دار بكر ، ومنزلة بعض أعضاء الإنسان منه بمنزلة بعض آخر منه ، وإنما يفيدون تشابه الأحوال وتقاربها ، ويجري لفظة «من» في هذه الوجوه مجرى «عند» و «مع» فكأن القائل أراد محلّك عندي ، وحالك معي في الإكرام والإعظام كحال أبي عندي ومحلّه فيهما ، وممّا يكشف عن صحّة ما ذكرناه حسن استثناء الرسل صلىاللهعليهوآلهوسلم النبوّة من جملة المنازل ، ونحن نعلم أنّه لم يستثن إلّا ما يجوز دخوله تحت اللفظ عندنا ، أو يجب دخوله عند مخالفينا ، ونعلم أيضا أن النبوة المستثناة لم تكن بموسى عليهالسلام ، وإذا ساغ استثناء النبوّة من جملة ما اقتضى اللفظ مع أنها لم تكن بموسى عليهالسلام بطل أن يكون اللفظ متناولا لما وجب من جهة موسى من المنازل ، وأما الذي يدلّ على أن اللفظ يوجب حصول جميع المنازل إلّا ما أخرجه الاستثناء ، وما جرى مجراه وإن لم يكن من ألفاظ العموم الموجبة للاشتمال والاستغراق ، ولا كان من مذهبنا أيضا أن في اللفظ المستغرق للجنس على سبيل الوجوب لفظا موضوعا له فهو أن دخول الاستثناء في اللفظ الذي يقتضي على سبيل الاحتمال أشياء كثيرة متى صدر من حكيم يريد البيان والافهام