دليل على أن ما يقتضيه اللفظ يحتمله بعد ما خرج بالاستثناء مرادا بالخطاب وداخل تحته ، ويصير دخول الاستثناء كالقرينة أو الدلالة التي توجب بها الاستغراق والشمول ؛ يدلّ على صحّة ما ذكروه أن الحكيم منّا إذا قال : «من دخل داري أكرمته إلّا زيدا» فهمنا من كلامه بدخول الاستثناء أن من عدا زيدا مراد بالقول ؛ لأنّه لو لم يكن مرادا لوجب استثناؤه مع إرادة الإفهام والبيان ، فهذا وجه.
ووجه آخر وهو إنّا وجدنا الناس في هذا الخبر على فرقتين منهم من ذهب إلى أن المراد منزلة واحدة لأجل السبب الذي يدّعون خروج الخبر عليه أو لأجل عهد أو عرف ، والفرقة الأخرى تذهب إلى عموم القول بجميع ما هو منزلة لهارون من موسى عليهالسلام بعد ما أخرجه الدليل على اختلافهم في تفصيل المنازل وتعيينها ، وهؤلاء هم الشيعة وأكثر مخالفيهم ؛ لأن القول الأول لم يذهب إليه إلّا الواحد والاثنان ، وإنّما يمتنع من خالف الشيعة من إيجاب كون أمير المؤمنين عليهالسلام خليفة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من حيث لم يثبت عندهم أن هارون لو بقي بعد موسى لخلفه ، ولا أن ذلك ممّا يصحّ أن يعد في جملة منازله فكان كلّ من ذهب إلى أن اللفظ يصحّ تعديه المنزلة الواحدة ذهب إلى عمومه فإذا فسد قول من قصر القول على المنزلة الواحدة لما سنذكره ، وبطل وجب عمومه ؛ لأن أحدا لم يقل بصحّة تعديته مع الشكّ في عمومه ، بل القول بأنّه ممّا يصحّ أن يتعدى ، وليس بعام خروج عن الإجماع.
فإن قال : وبأي شيء تفسدون أن يكون الخبر مقصورا على منزلة واحدة لأجل السبب أو ما يجري مجراه.
قيل له : أمّا ما تدّعي من السبب الذي هو إرجاف المنافقين ، ووجوب حمل الكلام عليه وألّا يتعدّاه فيبطل من وجوه :
منها : أن ذلك غير معلوم على حدّ العلم بنفس الخبر (١) بل غير معلوم
__________________
(١) في نسخة «على حد تيقّن الخبر».