المنزلة الواحدة ، وأنه لو أراد منازل كثيرة لقال : «أنت منّي بمنازل هارون من موسى» وذلك أن اعتبار موضع الاستثناء يدلّ على أن الكلام يتناول أكثر من منزلة واحدة ، والعادة في الاستعمال جارية بأن يستعمل مثل هذا الخطاب ، وإن كان المراد المنازل الكثيرة ؛ لأنّهم يقولون : منزلة فلان من الأمير كمنزلة فلان منه ، وإن أشاروا إلى أحوال مختلفة وإلى منازل كثيرة ، ولا يكادون يقولون بدلا ممّا ذكرناه منازل فلان كمنازل فلان ، وإنّما حسن منهم ذلك من حيث اعتقدوا أن ذوي المنازل الكثيرة ، والرتب المختلفة قد حصل لهم بمجموعها منزلة واحدة كأنّها جملة تتفرع على غيرها ، فتقع الإشارة منهم إلى الجملة بلفظ الواحدة ، وباعتبار ما اعتبرناه من الاستثناء يبطل قول من حمل الكلام على منزلة يقتضيها العهد والعرف ، ولأنه ليس في العرف ألّا تستعمل لفظ منزلة إلّا في شيء مخصوص دون ما عداه ؛ لأنّه لا حال من الأحوال يحصل لأحد مع غيره من نسب وجوار وولاية ومحبّة واختصاص إلى سائر الأحوال إلّا ويصح أن يقال فيه : انه منزلة ، ومن ادعى عرفا في بعض المنازل كمن ادّعاه في غيره ، وكذلك لا عهد يشار إليه في منزلة من منازل هارون من موسى عليهالسلام دون غيرها فلا اختصاص بشيء من منازله بعهد ليس في غيره ، بل سائر منازله كالمعهود من جهة أنّها معلومة بالأدلة عليها ، وكلّ ما ذكرناه واضح لمن أنصف من نفسه.
طريقة أخرى من الاستدلال بالخبر على النص وهي أنه إذا ثبت كون هارون خليفة لموسى على امته في حياته ومفترض الطاعة عليهم ، وان هذه المنزلة من جملة منازله ، ووجدنا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم استثنى ما لم يرده من المنازل بعده بقوله : «إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» دلّ هذا الاستثناء على أنّ ما لم يستثنه حاصل لأمير المؤمنين عليهالسلام بعده وإذا كان من جملة المنازل الخلافة في الحياة وثبتت بعده فقد صحّ وجه النص بالإمامة.
فإن قال : ولم قلتم إنّ الاستثناء في الخبر يدلّ على بقاء ما لم يستثن من المنازل وثبوته بعده.
قيل له : لأنّ الاستثناء كما من شأنه إذا كان مطلقا أن يوجب ما لم يستثن