مطلقا ، كذلك من شأنه إذا قيّد بحال أو وقت أن يوجب ثبوت ما لم يستثن في ذلك الوقت ؛ لأنّه لا فرق بين أن يستثنى من الجملة في حال مخصوصة ما لم يتضمنه الجملة في تلك الحال وبين أن يستثنى منها ما لم يتضمنه على وجه من الوجوه ، ألا ترى أن قول القائل : ضربت غلماني إلّا زيدا في الدّار ، وإلّا زيدا فإني لم أضربه في الدار ، يدلّ على أن ضربه غلمانه كان في الدار لموضع تعلّق الاستثناء بها ، وأن الضرب لو لم يكن في الدار لكان تضمّن الاستثناء لذكر الدار كتضمّنه ذكر ما لا تشتمل عليه الجملة الأولى من بهيمة وغيرها ، وليس لأحد أن يقول ويتعلّق بأن لفظة «بعدي» في الخبر لا تفيد حال الوفاة ، وأن المراد بها بعد نبوّتي ؛ لأن الجواب عن هذه الشبهة يأتي فيما بعد مستقصى بمشيئة الله ، ولا له أن يقول : من أين لكم ثبوت ما لم يدخل تحت الاستثناء من المنازل؟ لأنا قد دلّلنا على ذلك في الطريقة الأولى.
ونحن نعود إلى كلام صاحب الكتاب في الفصل.
أما الطريقة الأولى وهي التي بدأ بذكرها فقد استوفينا نصرتها.
وأمّا ما ذكره ثانيا فليس بمعتمد جملة ؛ لأن قوله تعالى في حكاية خطاب موسى لهارون (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ) إن كانت هذه الصيغة بعينها هي الواقعة من موسى عليهالسلام لم يكن دلالة على ثبوت الاستخلاف في جميع الأحوال ، فكيف ونحن نعلم أن الحكاية تناولت معنى قوله دون صيغته ، وإنّما قلنا إن قوله : «أخلفني في قومي» لا يقتضي عموم سائر الأحوال ؛ لأنه محتمل ، وليس يجب في اللفظ المحتمل أن يحمل على سائر ما يحتمله إلّا بدليل ، كما لا يجب ذلك في البعض.
فأما ما ذكره ثالثا فهو طريقة إثبات النص ، وقد اعتمدها أصحابنا أنه ليس بمتعلّق بالخبر الذي شرع صاحب الكتاب في حكاية وجوه استدلالاتنا منه ، ولا مفتقرة إليه ، وما نعلم أحدا من أصحابنا قرن هذه الطريقة من الاستدلال بالكلام في الخبر ، وإيرادها في هذا الموضع طريف.
فأمّا ما ذكره رابعا فهي الطريقة التي أوردناها وقد بيّنا كيفية دلالتها.