قال صاحب الكتاب : «واعلم أن قوله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» لا يتناول إلّا منزلة ثابتة منه ، ولا يدخل تحته منزلة مقدرة ؛ لأن المقدر ليس بحاصل ولا يجوز أن يكون منزلة ؛ لأنّ وصفه بأنّه منزلة يقتضي حصوله على وجه مخصوص ولا فرق في المقدّر بين (١) أن يكون من الباب الذي كان يجب لا محالة على الوجه الذي قدّر أو لا يجب في أنه لا يدخل تحت الكلام ، ويبيّن صحّة ذلك أن قوله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» يقتضي منزلة لهارون من موسى معروفة يشبه (٢) بها منزلته ، فكيف يصح أن تدخل في ذلك المقدر وهو كقول القائل : حقّك (٣) علي مثل حقّ فلان على فلان ، ودينك عندي مثل دين فلان ، إلى ما شاكل ذلك في أنه لا يتناول إلّا أمرا معروفا حاصلا وإذا ثبت ذلك ، فيقال : ننظر فإن كانت منزلة هارون من موسى معروفة حملنا الكلام عليها ، وإلّا وجب التوقّف كما يجب مثله فيما مثلناه من الحق والدين ، ويجب أن ننظر إن كان الكلام يقتضي الشمول حملناه عليه وإلّا وجب التوقّف عليه ولا يجوز أن يدخل تحت الكلام ما لم يحصل لهارون من المنزلة البتة ، وقد علمنا أنه لم تحصل له الخلافة بعده فيجب أن لا يدخل ذلك تحت الخبر ، ولا يمكنهم أن يقولوا بوجوب دخوله تحت الخبر على التقدير الذي ذكروه ؛ لأنا قد بيّنا أن الخبر لا يتناول التقدير (٤) الذي لم يكن ، وإنما يتناول أول المنزلة الكائنة الحاصلة.
فإن قيل : إنّ المنزلة التي تقدّرها لهارون هي كأنها ثابتة ؛ لأنّها واجبة بالاستخلاف في حال الغيبة ، وإنّما حصل فيها منع وهو موته قبل موت موسى عليهالسلام ، ولو لا هذا المنع لكانت ثابتة فإذا لم يحصل مثل هذا المنع في أمير المؤمنين عليهالسلام فيجب أن تكون ثابتة.
قيل له : إنّ الذي ذكرته إذا سلّمناه لم يخرج هذه المنزلة من كونها غير ثابتة
__________________
(١) في المغني «في العدد».
(٢) في المغني : «ليست بها منزلته» والظاهر تحريف «ليست» عن «يشبه».
(٣) في المغني «حصل عليّ».
(٤) في المغني «المقدّر».