المؤمنين عليهالسلام لما توجه إلى غزوة تبوك ولم يثبت عزله عن هذه الولاية بقول من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا دليل ، فوجب أن يكون الإمام بعد وفاته ؛ لأن حاله لم يتغيّر.
فإن قيل : ما أنكرتم من أن يكون رجوع النبيّ إلى المدينة يقتضي عزله وإن لم يقع العزل بالقول.
قلنا : إن الرجوع ليس بعزل عن الولاية في عادة ولا عرف ، وكيف يكون العود من الغيبة عزلا أو مقتضيا للعزل؟ وقد يجتمع الخليفة والمستخلف في البلد الواحد ولا ينفي حضوره الخلافة له ، وإنما يثبت في بعض الأحوال العزل بعود المستخلف إذا كان قد علمنا أن الاستخلاف تعلّق بحال الغيبة دون غيرها فيكون الغيبة كالشرط فيه ولم يعلم مثل ذلك في استخلاف أمير المؤمنين.
فإن عارض معارض بمن روى أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم استخلفه كمعاذ وابن ام مكتوم وغيرهما ، فالجواب عنه قد تقدّم ، وهو أن الإجماع على أنه لاحظّ لهؤلاء بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في إمامة ، ولا فرض طاعة يدلّ على ثبوت عزلهم ، فإن تعلّق باختصاص هذه الولاية وأنّها لا يجوز أن تقتضي الإمامة التي تعمّ ، فقد مضى الكلام على الاختصاص في هذا الفصل مستقصى ، وقد مضى أيضا فيه الكلام على من قال : لو كانت هذه الولاية مستمرة لوجب أن يقيم الحدود في حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ويتصرّف في حقوق الخلافة بغير إذن ، ولو فعل لنقل وعلمناه ، فليس لأحد أن يتعلّق بذلك.
قال صاحب الكتاب : «وبعد ، فإنه يقال لهم : لو لم يستخلف موسى هارون وعاش بعده أكان يجب له الإمامة والقيام بالامور التي يقوم بها الأئمة أو لا يجب ذلك؟ فإن قالوا : كان لا يجب له ذلك قلنا لهم : إن جاز مع كونه شريكا له في النبوّة التي هي من قبل الله سبحانه وتعالى أن يبقى بعده ولا يكون له ذلك ليجوزن أنّ لا يكون له ذلك وإن استخلفه ؛ لأن استخلاف موسى له لا يكون أوكد من إرسال الله تعالى إيّاه معه رسولا ، ...» (١) وهذا ممّا قد مضى الكلام
__________________
(١) المغني ، ٢٠ : ١٦٩.