عليه وقد بيّنا أنّ الذي يقوم به الأئمّة ولاية منفصلة من النبوّة ، وأنه غير ممتنع أن تثبت النبوّة لمن لا تثبت له هذه الولاية ، ومع ذلك فهو تصريح أيضا منه بالمناقضة ؛ لأنه قال فيما تقدّم : «إنّه غير واجب فيمن يكون شريكا لموسى في النبوّة أن يكون هو القيّم بعد وفاته بما يقوم به الإمام» وقال هاهنا كما ترى : «أنّ الشركة في النبوّة تقتضي القيام بذلك» وتجاوز هذا إلى أن جعل اقتضاء النبوّة لهذه المنزلة كاقتضاء الاستخلاف لها ، والفرق بين الاستخلاف في اقتضائه هذه الولاية وبين النبوّة واضح ؛ لأنّه إذا بان بما قدّمنا ذكره أنّ الذي يقوم به الأئمّة ليس من مقتضى النبوّة لم يجب بثبوتها ثبوته ، والاستخلاف لا شكّ في أنه سبب القيام بما يسنده المستخلف إلى خليفته من جملة ما يتولاه ويكون إليه التصرف ، فكيف يصحّ أن يدخل لفظه أوكد بين هذين وأحدهما لا تأثير له جملة ، والآخر معلوم تأثيره وكونه سببا.
ثمّ ذكر صاحب الكتاب : بعد ما حكيناه كلاما تركنا حكايته ؛ لأن جملة ما تقدّم من كلامنا قد أتت عليه ، فقد بيّنا أنه لا معتبر في تشبيه إحدى المنزلتين بالأخرى بأسبابهما وبما هو كالمقتضي لهما ، وقلنا : إن هارون عليهالسلام لو ثبت أن ولايته على قوم أخيه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان بغير استخلاف بل لأجل نبوّته لم يلزم فيمن جعل له مثل منزلته أن يكون مشاركا له في سبب المنزلة وكيفية حصولها ، ودلّلنا على أن هارون لو بقي بعد وفاة أخيه لوجب أن يكون حاله في الإمامة باقية غير متغيّرة ، وفرّقنا بين أن لا يكون إليه ذلك في الابتداء وبين أن يتولاه ثمّ يعزل عنه بأنّ الأول لا تنفير فيه ، والثاني موجب للتنفير الذي لا بد أن يجتنبه عليهالسلام ، وليس يخرج عمّا أشرنا إليه شيء من كلامه الذي تجاوزناه.
وقال صاحب الكتاب : «فإن قيل : فما المراد عندكم بهذا الخبر قيل له : إنه عليهالسلام لما استخلفه على المدينة وتكلّم المنافقون فيه ، قال هذا القول دالّا به على لطف محلّه منه ، وقوّة سكونه إليه ، واستناد ظهره به ، ليزيل ما خامر القلوب من الشبهة في أمره ، وليعلم أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم انما استخلفه لهذه الأحوال التي تقتضي نهاية الاختصاص ، والأغلب في العرف والعادة أن الإنسان إنما يستعمل ذكر