المنزلة بمعنى المحل والموقع ؛ لأنه لا فرق بين قول القائل : فلان منّي بمحلّ فلان من فلان ، وبين قوله بمنزلة فلان من فلان ، وقد علمنا أن الظاهر من ذلك الموقع من القلب في الاختصاص والسكون والاعتماد دون ما يرجع إلى الولايات ، فيجب أن يكون الخبر محمولا عليه لشهادة التعارف أو لشهادة السبب له» ثمّ قال : «فإن قال : إن كان المراد ما ذكرتم فما الوجه في استثناء النبوّة من هذا القول ، وليس لها به تعلّق قيل له : إن المتعالم من حال هارون أنه كان موقعه من قلب موسى لمكان النبوة أعظم ، وأن النبوة أوجبت مزية في هذا الباب فقد كان يجوز لو لم يستثن صلىاللهعليهوآلهوسلم النبوة أن يفهم إن منزلة أمير المؤمنين صلوات الله عليه تماثل هذه المنزلة ، فأراد أن يبيّن باستثناء النبوّة أنها مقصّرة عن هذه المنزلة القدر الذي يقتضيه نفي نبوته ، وهذا كما يقول أحدنا لرفيع المحل في قلبه : إنّ محلّك ومنزلتك منّي محل ولدي وإن لم تكن لي بولد ، وإنما يستعمل ما يجري مجرى الاستثناء في هذا الباب في الوجه الذي من حقه أن يؤكد تلك المنزلة ويعظم أمرها ويفخم شأنها ، ...» (١). ثمّ قال بعد كلام تركناه : «ولو لا أنّ ذلك كذلك لم يكن في هذا القول إزالة عن القلوب ما تحدث به المنافقون من شكّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمره ، وأنه إنما خلفه تحرزا ؛ لأن كلّ ذلك لا يزول بالاستخلاف الذي هو الولاية في الحال ومن بعد ، وإنما يزول ذلك بما وصفناه من الأخبار بنهاية السكون إليه والاستقامة منه ، ...» (٢).
يقال له : قد بيّنا فيما سلف من كلامنا انّ الذي يدّعي من السبب في أنه كان إرجاف المنافقين ، غير معلوم ، وذكرنا ورود الروايات بأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» في مواطن مختلفة (٣) ، وذكرنا أيضا أنّ أكثر الأخبار
__________________
(١) المغني ، ٢٠ : ١٧٢.
(٢) المغني ، ٢٠ : ١٧٣.
(٣) من المواطن التي قال فيها : علي منّي بمنزلة هارون من موسى» منها لما خلفه على المدينة يوم غزوة تبوك كما في صحيح البخاري وغيره ، ومنها عند التخاصم في ابنة حمزة كما في الخصائص للنسائي ص ١٩ ، ومنها لما آخى بين أصحابه كما في كنز العمال ج ٥ ص ٤٠ وقال : أخرجه أحمد في المناقب وابن عساكر ، في كلام للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مع عقيل وجعفر وعليّ عليهمالسلام أخرجه المتقي في الكنز ٦ / ١٨٨ ، ومنها في كلام له صلىاللهعليهوآلهوسلم مع عليّ عليهالسلام وهو متكئ عليه ، أخرجه ـ