من الوجوه المختلفة ، فكيف يصحّ للقوم أن يعتمدوا على ذلك في الإمامة ، ...» (١)
يقال له : ما أشدّ اختلاف كلامك في هذا الباب ، وأظهر رجوعك فيه من قول إلى ضدّه وخلافه ؛ لأنّك قلت أولا فيما حكيناه عنك : «إنّ هارون من حيث كان شريكا لموسى في النبوّة يلزمه القيام فيهم بما لا يقوم به الأئمّة وإن لم يستخلفه» ثم عقبت ذلك بأن قلت : «غير واجب فيمن كان شريكا لموسى في النبوّة أن يكون إليه ما إلى الأئمة» ثمّ رجعت عن ذلك في فصل آخر فقلت : «إنّ هارون لو عاش بعد موسى لكان الذي ثبت له أن يكون كما كان من قبل وقد كان من قبل له أن يقوم بهذه الأمور لنبوّته» فجعلت القيام بهذه الأمور من مقتضى النبوّة كما ترى ، ثمّ أكّدت ذلك في فصل آخر حكيناه أيضا بأن قلت لمن خالفك : «في أن موسى لو لم يستخلف هارون بعده ما كان يجب له القيام بعده بما يقوم به الأئمّة ، إن جاز مع كونه شريكا له في النبوّة أن يبقى بعده ، ولا يكون له ذلك ليجوزنّ وإن استخلفه أن لا يكون له ذلك» ثمّ ختمت جميع ما تقدّم هذا الكلام الذي هو رجوع عن أكثر ما تقدّم ، وتصريح بأنّ النبوّة لا تقتضي القيام بهذه الأمور ، وإن الفرض على المتأمّل في هذا هو الشكّ وترك القطع على أحد الأمرين ، فعلى أيّ شيء يحصل من كلامك المختلف؟ وعلى أيّ الأقوال نعوّل؟ وما نظنّ أن الاعتماد والاستقرار إلّا على هذا الفصل المتأخّر ؛ فإنه بتأخّره كالناسخ والماحي لما قبله ، والذي تضمنه من أن النبوّة لا توجب بمجردها القيام بالامور التي ذكرتها ، وإنّما يحتاج في ثبوت هذه الأمور مضافة إلى النبوّة إلى دليل صحيح ، وقد بيّناه فيما تقدّم من كلامنا.
فأمّا شكّه في حال موسى وهارون عليهماالسلام ، وقوله : «ما نعلم كيف كانت الحال فيما إليهما» فقد بيّنا أنّه لا يجب الشك في ذلك ، لا من حيث كانت نبوّة هارون تقتضي قيامه بما يقوم به الأئمّة ، بل من حيث ثبت بدليل الآية التي تلوناها ،
__________________
(١) المغني ، ٢٠ : ١٨٠.