والإجماع الذي ذكرناه من كون هارون خليفة لأخيه موسى ، ونائبا عنه في سياسة قومه ، والقيام بامورهم ، وليس يجوز أن يكون خليفة له إلّا ما يثبت له بالاستخلاف ، وكان له التصرّف فيه من أجله ، وهذا هو العرف المعقول في الاستخلاف ، وفي ثبوت هذه الجملة ما يقتضي كون هارون خليفة لأخيه في هذه الأمور ، وأن يده إنّما تثبت عليها في حال حياته لمكان استخلافه ، وإذا كنّا قد بيّنا لو بقي بعده لوجب أن يستمر حاله في هذه الولاية ، وأن تغيّرها وانتقالها عنه يقتضي ما يمنع ثبوته منه ، فقد تمّ ما قصدناه ، ولم نجعل لأمير المؤمنين عليهالسلام منزلة لم يعلم ثبوتها لهارون من موسى عليهالسلام على ما ظن ، ولم يبق في كلامه شبهة تتعلّق بها نفس أحد على أنه ابتدأ كلامه في الفصل بما ليس بصحيح ؛ وذلك أنه جعل الاستخلاف مؤثرا وإن انضم إلى النبوّة المقتضية لما تضمنه ، وقال : «ليس يمتنع أن يكون للحكم الواحد سببان وعلّتان» وهذا ظاهر الفساد ؛ لأنّ الاستخلاف وإن كان متى لم يكن نبوّة مؤثّرا ؛ فإنه لا تأثير له مع النبوّة على وجه من الوجوه ، ووجوده كعدمه ؛ لأن فائدة الاستخلاف هي حصول ولاية للمستخلف يجب به ويصحّ فيها تصرّف المستخلف بالعزل والتبديل ورفع اليد ، فكيف يكون على هذا من له ـ لمكان النبوّة ـ القيام بأمر من الأمور ، سواء كان ما يقوم به الأئمّة أو غيره من حقوق النبوّة خليفة (١) لغيره في ذلك الأمر ومتصرّفا فيه لمكان استخلافه ، وكما إن الاستخلاف لا تأثير له إذا طرأ على أمر توجبه النبوّة ، كذلك لو تقدم فأثر ، ثم طرأت عليه النبوّة ، واقتضت التصرّف في موجبه لمكانها لزال تأثيره ، وارتفع حكمه ، وكما ان في الأحكام ما له سببان وعلّتان كما ذكر ، كذلك في الأسباب والعلل ما يكون مؤثرا إذا انفرد وإذا انضمّ إلى ما هو أقوى منه بطل تأثيره ، وهذه الجملة تبيّن أن استخلاف موسى لأخيه لا بدّ أن يكون محمولا على أمر وجب له التصرّف فيه باستخلافه ، ويثبت يده عليه من قبله.
__________________
(١) «خليفة» اسم كان في قوله : «فكيف يكون».