قال صاحب الكتاب : «وبعد ، فإن وجود الشيء لا يقتضي وجوبه [فلو ثبت أن موسى عليهالسلام لو مات لكان الذي يخلفه هارون لم يدل ذلك على وجوبه] (١) ، بل كان لا يمتنع أن يكون مخيرا إن شاء استخلفه ، وإن شاء استخلف غيره ، أو جمع بين الكلّ وإن شاء ترك الأمر شورى (٢) ليختار صالحوا أصحابه من يقوم بالحدود والأحكام ، وإذا كان كلّ ذلك مجوّزا عندنا فكيف يصحّ الاعتماد عليه في وجوب النصّ على الوجه الذي تذهبون إليه؟ وإنّما يوصف الاستخلاف بأنّه منزلة متى وجبت لسبب ، فأمّا إذا وقع بالاختيار على وجه كان يجوز أن لا يحصل ويحصل خلافه فلا يكاد يقال إنه منزلة فكيف يدخل ما جرى هذا المجرى تحت الخبر وكلّ ذلك يقوي أن المراد بالخبر ما ذكرناه ، ...» (٣).
يقال له : هذا كلام من هو ساه عمّا نحن معه فيه ؛ لأنّ كلامنا إنّما هو في أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نصّ على أمير المؤمنين عليهالسلام بالخلافة بعده ، وجعل الإمامة فيه ، وله دون غيره ، وأن هذه منزلة له منه كما أن هارون لو بقي بعد أخيه موسى لكان خليفته بعده ، فأما الكلام في أن النص بالإمامة حصل على جهة الوجوب ، وأنه ممّا كان يجوز أن يحصل خلافه ، وهل كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك مخيّرا أو غير مخيّر ، فهو غير ما نحن فيه الآن ، وغير ما شرعت في حكاية أدلة أصحابنا عليه ، والكلام فيه كلام في مسألة أخرى كالمنفصلة عن النصّ وإثباته ، ويكفي أصحابنا فيما قصدوه بأدلتهم التي حكيتها أن يثبت لأمير المؤمنين عليهالسلام بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الإمامة والتصرّف في تدبير الأمة [و] بذلك يتمّ غرضهم المقصود ، وما سواه من وجوب ذلك أو جوازه لا شاغل لهم به في هذا الموضع.
على أنا نقول له : نحن ننزل خلافة أمير المؤمنين عليهالسلام للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم على أمته بعده منزلة نبوّة موسى من هارون عندك ، ونقول فيها ما تقوله أنت في نبوّتهما ونبوّة غيرهما من الأنبياء عليهمالسلام ؛ لأنك لا تقطع في النبوّة على أن زيدا بعينه كلّفها على سبيل الوجوب ، بل تجوّز أن يتساوى اثنان أو جماعة في حسن
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ساقط من «المغني».
(٢) في المغني «أو جعل الأمر شورى».
(٣) المغني ، ٢٠ : ١٨٠.