كالحكاية عن ثبوت الحرارة للنار في قولنا : «النار حارّة» فكما أنّ الحكاية عن ثبوت الحرارة للنار لا تشترط بشرط ولا تسبّب بسبب ولا تمنع بمانع سوى الصفات الكائنة في أفق نفس المخبر من الإرادة والاختيار وغير ذلك من مقدّمات الفعل الاختياريّ ـ إذ هي فعل اختياريّ كسائر الأفعال الاختياريّة ـ كذلك جعل الوجوب للصلاة أو الحرمة للخمر لا يسبّب بسبب ولا يشترط بشرط ولا يمنعه مانع إلّا الصفات الكائنة في أفق نفس الجاعل من الإرادة والاختيار والعلم بوجود المصلحة وأمثال ذلك ، إذ هو أيضا فعل اختياريّ لا يتوقّف إلّا على مقدّمات الفعل الاختياريّ ، والأمور الخارجيّة أجنبيّة عن ذلك وعن وجود الموضوع وقيوده حتّى وجود المصلحة.
نعم ، العلم بوجود المصلحة ، الّذي هو أيضا من الصفات النفسانيّة دخيل في الجعل لا وجودها الخارجيّ ، فإذا جعل المولى الوجوب للصلاة أو الحرمة للخمر ، فقد انتقل هذا الحكم من كتم العدم إلى عرصة الوجود وثبتت الحرمة للخمر مثلا في الشريعة المقدّسة ، كانت الخمر موجودة أو لم تكن ، ولا يفرق في ذلك بين ما عبّر بنحو القضيّة الشرطيّة بأن يقول : «إذا تحقّق ووجد في الخارج مصداق الخمر فهو حرام» وبين ما عبّر بنحو القضيّة الخبريّة بأن يقول : «الخمر حرام» أو «لا تشرب الخمر».
وأمّا مقام المجعول وهو مقام الباعثيّة والمحرّكيّة ـ فهو كالمحكيّ في القضايا الخبريّة ، فكما أنّ وجود الحرارة خارجا لا يتوقّف إلّا على وجود النار المفروض وجودها في قولنا : «النار حارّة» كذلك باعثيّة الحكم المجعول ومحرّكيّته لا تتوقف إلّا على انقلاب موضوعه بجميع قيوده وأجزائه من الفرض والتقدير إلى الواقعية والتحقيق ، ولا تشترط بشرط ولا تسبّب بسبب أصلا ، فهي