قاصد للقربة أو قاصدا له حقيقة أو تشريعا ، فالأوّل لا يكون نهيا عن العبادة ، إذ بدون قصد القربة لا يتّصف بالعباديّة ، والثاني غير مقدور له ، حيث [إنّه] لا قرب في المبغوض حتّى يقصد حقيقة ، والمبعّد كيف يكون مقرّبا!؟ والثالث وإن كان مقدورا له إلّا أنّه يلزم فيه اجتماع المثلين : الحرمة الذاتيّة والحرمة التشريعيّة ، وهو مستحيل ، كاجتماع الضدّين.
ثمّ أجاب عنه ـ قدسسره ـ تارة بأنّا نختار الشقّ الأوّل ، وأنّ المكلّف لا يقصد القربة ، ولا محذور فيه ، لما عرفت في صدر المبحث من أنّ المراد من العبادة ما لو امر به لكان عبادة ، لا ما يكون عبادة فعلا ، كما في صوم العيدين ، فإنّه لو كان امر به ، لكان مثل صوم سائر الأيّام لا يسقط الأمر به إلّا إذا أتى بقصد القربة (١).
وهذا الّذي أفاده في الجواب متين جدّاً ، إلّا أنّ الالتزام (٢) بالحرمة الذاتيّة
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٢٥.
(٢) أقول : الظاهر أنّ صوم العيدين والصلاة بغير طهور حرام ذاتا بمقتضى الروايات ، إذ الروايات ظاهرة في ذلك ، فإنّ النهي تعلّق بنفس عنوان الصوم والصلاة غير مقيّد بكونه بقصد القربة وبدونه.
والقول بأنّ هذه النواهي ناظرة إلى إتيان العبادة ، كما في سائر الأيّام وسائر الحالات لا يمكن الالتزام به ، فإنّ المكلّف يأتي بالصلاة حال كونه مع الطهارة بداعي القربة ، ويصوم في غير العيدين بقصد التقرّب ، وبعد تعلّق النهي والتفاته به لا يتمشّى منه قصد القربة ، ولا يمكنه إتيان المنهي عنه إلّا بدون قصد التقرّب ، فالنهي عن الإتيان بالداعي الإلهي تكليف بما لا يطاق ، فلا مناص من الالتزام بتعلّق النهي بنفس العناوين ، كما هو الظاهر من الروايات الواردة في هذا الباب ، وأنّ الصلاة حال الحيض مثلا محرّمة ذاتا لو أتي بها بهذا العنوان ، أي قصد عنوان الصلاة أيضا مضافا إلى قصد الأفعال الخاصّة ولو بداعي التعليم.
أمّا إذا أتى بالأجزاء والأفعال الخاصّة لا بعنوان الصلاة بحيث لو سئل عنه وقيل له : ما تصنع؟ لم يجب بأنّي أصلّي ، بل أجاب بأنّي أكبّر وأقرأ سورة الفاتحة وهكذا لأجل ـ