الثانية من المقدّمات : بيان حقيقة الإنشاء ، والمائز بينه وبين الإخبار ، وقد تقدّم في مبحث المشتقّ وفيما يتعلّق بصيغة الأمر ومادّته أنّ الإنشاء هو الإبراز والحكاية كالإخبار بعينه ، غاية الأمر أنّ المبرز في الإخبار له تعلّق بأمر ربما يكون مطابقا للخارج وربما يكون غير مطابق له ، وتحقّق الصدق والكذب فيه من هذه الجهة ، والمبرز في الإنشاء ليس له تعلّق بمثل ذلك الأمر.
وذلك لأنّ مدلول الجمل الخبرية بمقتضى الظهور العرفي هو إرادة المتكلّم بها الإخبار والحكاية عن أمر ، كقيام زيد ، وليس مدلولها ثبوت النسبة في الخارج أو نفيها ، ولذا لا يستفيد السامع من نفس اللفظ التحقّق والانتفاء ، بل حصول ذلك يتوقّف على القرائن ، كعلمه بعدم كذب المتكلّم وغير ذلك ، واللفظ في نفسه محتمل للصدق والكذب ، ومن هذه الجهة قلنا بوضع الألفاظ للمعاني المرادة ، ومدلول الجمل الإنشائيّة هو إبراز الاعتبار النفسانيّ.
فالإنشاء والإخبار يشتركان في أنّ حقيقتهما هي الإبراز والحكاية ، واحتمال الصدق والكذب ليس من هذه الناحية ، ويفترقان في أنّ المبرز والمحكيّ في الإخبار له تعلّق بأمر باعتباره يتوجّه فيه احتمال الصدق والكذب ، وأنّ مبرز الإنشاء ومحكيّة ـ وهو الاعتبار النفسانيّ ، كاعتبار الملكيّة والزوجيّة وغير ذلك ـ ليس له مثل ذلك التعلّق ، وإنّما هو إبراز وكشف عمّا قام بالنفس من الاعتبار الّذي هو فعل من أفعالها ، فما هو المعروف من [أنّ] حقيقة الإنشاء هو الإيجاد في عالم الاعتبار ممّا لا أساس له ، فإنّ مثل لفظ «بعت» ليس موجدا للملكيّة في اعتبار اللافظ وإنّما تتحقّق الملكيّة بفعل النّفس ، وهو الاعتبار ، فيتكلّم المعتبر بذلك اللفظ لإبراز ما تحقّق في نفسه.
الثالثة من المقدّمات : في بيان حقيقة ذلك المعتبر الّذي ينشأ بالهيئة