فظهر أنّ قياس الإنشاء ـ في جواز تعلّقه بالأمر المستقبل ـ على الإخبار في غير محلّه ، وأنّ الشبهة المزبورة لا تندفع بما ذكره.
وتحقيق الجواب عنها ـ بحيث يظهر الفرق بين الواجب المطلق والمشروط وتندفع الشبهة ـ يتوقّف على بيان مقدّمات ثلاث :
الأولى : أنّ الاعتبار كما يمكن تعلّقه بالأمر الفعلي يمكن تعلّقه أيضا بالأمر الاستقبالي ، وذلك لأنّ وعاء الوجود الاعتباري وسيع ، نظير وعاء الوجود الذهني ، فكما يمكن تصوّر الأمر المتأخّر كقيام زيد في الغد كذلك يمكن اعتباره بالفعل ، ويساعد على ذلك العرف والشرع.
ومن هذا القبيل : الوصيّة والتدبير ، فإنّ الموصي يعتبر فعلا للموصى له ملكيته لشيء بعد موته [و] كذلك المدبّر يعتبر فعلا انعتاق عبده بعد الموت ، فصحّة الوصيّة والتدبير عرفا وشرعا تدلّ على إمكان ما ذكرناه.
ويمكن مثل ذلك في الإجارة والبيع ، ووجه ذلك واضح ، فإنّ الشخص بعد ما يكون مالكا للعين ومنافعها بالملكيّة الدائميّة حسب الاعتبار العقلائي الّذي أمضاه الشارع ولذا يجوز له إيجار العين مدّة تكون أزيد من عمره ، كما هو ظاهر المشهور بين الفقهاء ، فله أن يرفع اليد عن بعضها كما له رفع اليد عن جميعها ، فأيّة قطعة أراد رفع اليد عنها كان له ذلك ، فإذا رفع اليد عن الجميع أو عن القطعة منها المتّصلة بالعقد ، كان العقد منجّزا ، وإن رفع اليد عن قطعة متأخّرة عنه ، كان معلّقا ، فتعلّق الاعتبار في البيع والإجارة بالملكيّة المتأخّرة ممكن ، كما في الوصيّة والتدبير ، إلّا أنّ الإجماع قد قام ـ على ما ادّعي ـ على بطلان التعليق في غير الوصيّة والتدبير.
وبالجملة ، اعتبار الأمر المتأخّر بمكان من الإمكان بالوجدان.