وملخّص تقريبه : أنّ الأقسام المتصوّرة في مقام الالتفات خمسة ، أحدها : صورة عدم تعلّق الطلب به بعد الالتفات إليه ، وهي خارجة عن محلّ الكلام ، وأربعة منها : صورة تعلّق الطلب به ، وفي جميعها يكون الطلب فعليّا ، فلا محالة يكون القيد ـ في صورة تعلّقه بذلك الفعل على تقدير خاصّ ـ راجعا إلى المادّة ، فليس في مقام التصوّر صورة يكون الطلب فيها واقعا بعد الالتفات والتصوّر معلّقا على تقدير من التقادير من دون فرق في ذلك بين القول بتبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلّقات والقول بتبعيّتها لها في أنفسها.
وقد أجاب في الكفاية (١) عن الإيراد المزبور : بأنّ القسمة المزبورة وإن كانت مع الغضّ عن الطوارئ الخارجيّة حاصرة ، إلّا أنّ هناك بلحاظ العوارض قسما آخر ، وهو تحقّق المانع من الطلب الفعلي بالنسبة إلى الطلب الملتفت إليه قبل حصول التقدير الخاصّ ، فحينئذ لا محالة يكون تحقّق الطلب معلّقا على حصول ذلك التقدير ، وهذا هو الوجوب المشروط.
ثمّ أفاد بأنّ ذلك بناء على تبعيّة الأحكام للمصالح في أنفسها واضح جدّاً. والسرّ فيه : أنّ الطلب مع تحقّق المانع منه بالفعل لا يكون ذا مصلحة.
وأمّا بناء على تبعيّتها للمصالح والمفاسد في المتعلّقات فربما يتوهّم عدم توجّهه ، إذ بعد فرض تحقّق المصلحة في الفعل ـ التي هي المقتضية له ويكون الحكم دائرا مدارها كما هو المفروض ـ لا ينبغي مجال لعدم الطلب ، إلّا أنّ التوهّم المزبور مردود بأنّ التبعيّة للمصالح في المتعلّقات إنّما هي في الأحكام الواقعيّة الإنشائيّة ، وأمّا الأحكام الفعليّة : فلا يدور مدار تلك المصلحة التي تكون في المتعلّق ، ولذا لم يكن كثير من الأحكام فعليّا في أوّل البعثة ، بل
__________________
(١) كفاية الأصول : ١٢٤.