وإن كان المراد أمرا آخر غيره ، فلا نتعقّله.
فالحقّ في الجواب أن يقال : إنّ هذه العمومات كلّها ناظرة إلى الواقع ومبيّنة للأحكام الواقعيّة ، كما أنّ السؤالات عنها أيضا سؤالات عن الأحكام الواقعيّة ، والعمل بها أيضا بعنوان أنّها كذلك ، والخاصّ المتأخّر مخصّص وبيان له ، ولا محذور فيه ، فإنّ قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ليس كقبح الظلم ـ الّذي لا ينفكّ عنه وذاتيّ له بحيث لا يمكن أن يصدق الظلم في مورد ولا يكون قبيحا ، وترتّب القبح عليه يشبه ترتّب المعلول على علّته ـ بل قبحه كقبح الكذب والإيذاء وأمثال ذلك ممّا لا يكون قبيحا ذاتا ، بل يكون قبيحا لو خلّي وطبعه بحيث لو لم يعرض عليه عنوان حسن موجب لحسنه ـ كما إذا توقّف إنجاء مؤمن على الكذب أو إنقاذ الغريق على إيذائه ـ يكون قبيحا لا مطلقا ، فلو كان هناك مصلحة اقتضت تأخير البيان أو مفسدة في عدمه ، فلا يكون قبيحا ، بل القبح في عدمه ، فعلى هذا لا مانع من الالتزام بكون الخاصّ المتأخّر الوارد عن المعصومين صلوات الله عليهم ـ مخصّصا وبيانا للعامّ ، وتأخيره من جهة مصلحة فيه أو مفسدة في عدمه ، وقد عرفت أنّ القول بالنسخ أو أنّه كان موجودا قبل وقت الحاجة ولم يصل إلينا فاسد لا يمكن الالتزام به ، فيتعيّن القول بالتخصيص ، وورود الخاصّ بعد وقت الحاجة لمصلحة.
إن قلت : لازم هذا القول إلقاء الشارع المكلّفين في المفاسد برهة من الزمان بواسطة عدم بيانه المخصّص وعملهم بمقتضى العموم.
قلت : أوّلا : بأنّه مختصّ بما إذا كان العامّ متكفّلا لحكم ترخيصي والخاصّ مشتملا لحكم إلزامي على خلافه لا مطلقا ، كما لا يخفى.
وثانيا : بأنّ الإلقاء في المفسدة أيضا ليس قبحه كقبح الظلم ، فلا مانع منه