ويتحقّق بعد ذلك وما هو واقع ومتحقّق بالفعل ـ على قسمين :
أحدهما : ما علّمه الله ـ تبارك وتعالى ـ أنبياءه وأوصياءه أنّه يتعلّق به مشيئته ، وهو مسمّى بالأمر المحتوم ، والبداء ليس في هذا القسم.
والثاني : ما لم يعلّمه الله ـ تبارك وتعالى ـ أحدا من الممكنات أنّه متعلّق مشيئته ، وفي هذا القسم من الموجودات جهتان : جهة راجعة إلى الخالق ، وهي تعلّق مشيئة الربّ به وعدمه ، وجهة راجعة إلى الخلق ، وهي وجود العلّة التامّة لحدوثه وتحقّقه لو لا تعلّق مشيئته ـ تبارك وتعالى ـ على خلافه.
والعلم بالجهة الأولى والإحاطة بها مستحيل للممكن وإن بلغ ما بلغ حتّى أشرف الموجودات وأفضلهم نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل : أنّ دعاء زيد هل يستجاب؟ وصدقته هل تدفع البلاء أم لا؟ وأمّا الجهة الثانية فحصول العلم به للممكن بمكان من الإمكان ، وممّا نطقت به الروايات بالنسبة إلى نبيّنا وأوصيائه المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ـ فإنّ مضمون بعضها أنّه «لو لا آية في كتاب الله وهي : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(١) لأخبرتكم بما كان وما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة» (٢) وذلك من جهة أنّهم ـ سلام الله عليهم ـ عالمون بالأسباب العاديّة والعلل التامّة للأشياء مع قطع النّظر عن تعلّق المشيئة بها ، فهم معتقدون وقاطعون بتحقّقها وحدوثها لو لا تعلّق مشيئته تعالى على الخلاف.
والحاصل : أنّ الإحاطة بما هو من صقع الربوبي وما هو فعل الربّ ـ وهو المشيئة ـ خارجة عن حيطة البشر إلّا بمقدار علّمه الله تبارك وتعالى ، وما
__________________
(١) الرعد : ٣٩.
(٢) الاحتجاج ١ : ٦١٠ ، وعنه في البحار ٤ : ٩٧ ـ ٤.