يمكن إحاطته به ما عدا ذلك.
مثلا : يعلم النبيّ أو الوصيّ أنّ زيدا يدعو في يوم كذا ويتصدّق في يوم كذا ، وأمّا أنّ دعاءه مستجاب أم لا؟ وصدقته دافعة للبلاء أم لا؟ ـ حيث إنّه منوط بالمشيئة ومربوط بإرادته تعالى ـ فلا يعلمه ، ولا يمكن ذلك إلّا إذا علّمه تعالى أنّه يشاء أو لا يشاء.
والبداء يقع في القسم الثاني من القسمين ، أي ما لم يعلّمه تعالى أحدا من خلقه ، وذلك بمعنى أنّه يظهر ما خفي على العباد ويعتقدون وقوعه من جهة علمهم بتحقّق أسبابه العاديّة وعلله التامّة وعدم علمهم بأنّه ممّا لا يشاؤه تعالى ، فيظهر لهم ذلك.
وإطلاق البداء عليه ـ مع أنّه في الحقيقة إبداء ـ من جهة أنّه أشبه شيء بالبداء في المخلوق.
وممّا ذكرنا ظهر وجه إخبار النبيّ بوقوع شيء مع أنّه لا يقع على فرض تسليم أنّ مثل هذا الإخبار صدر من نبيّ أو وصيّ ، فإنّه إخبار عمّا يعلم بوجود علّته التامّة لو لا تعلّق المشيئة على خلافه. وهو مقتضى الجمع بين الأخبار.
ومنه يظهر وجه أنّه من أعظم ما يعبد به الله ، فإنّ من يقول بمقالة اليهود ـ من أنّ (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)(١) وأنّ إجابة الدعاء ودفع البلاء لا يكون تحت مشيئته ـ لا يدعو ولا يتضرّع ولا يتصدّق ، بخلاف من يعتقد بالبداء وأنّه يفعل ما يشاء وما يريد.
ثمّ إنّ إطلاق البداء على ما ذكرنا إمّا نلتزم بأنّه خلاف الظاهر من جهة القرينة العقليّة الدالّة عليه ، وهي استحالة خفاء شيء له تعالى ، وأنّه لا يعزب
__________________
(١) المائدة : ٦٤.