وفيه : أنّ منشأ الظهور إمّا الوضع أو القرينة ، والمفروض أنّ اللفظ لم يوضع للمطلق ، وليست القرينة في البين إلّا الحكمة التي إحدى مقدّماتها مشكوكة ، فمن أين يكون الظهور؟ وبعبارة أخرى : إنّا نقطع بأنّ الموضوع له اللفظ ـ الّذي هو الطبيعة المهملة ـ لم يكن متعلّقا للحكم ، لما مرّ مرارا من أنّ الإهمال في الواقعيّات غير معقول ، ونقطع بأنّه إمّا لوحظ فيه الإطلاق والسريان أو لوحظ فيه التقييد ، فبأيّ مرجّح يرجّح لحاظ الإطلاق على التقييد.
وقيل وجه ثان له ، وهو : بناء العقلاء في الاحتجاجات والأقارير على الأخذ بالإطلاق ما لم ينصب المتكلّم قرينة على أنّه لا يكون في مقام البيان.
أقول : لا ريب في وجود هذه السيرة العقلائية ، لكنّها هل هي سيرة تعبّديّة بلا بيّنة ولا برهان ، أم ليس الأمر كذلك؟ الظاهر أنّه ليس من باب التعبّد المحض ، بل وجه بنائهم عليه هو : أنّ الإنسان حيث إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ علّمه البيان لإظهار مراداته الواقعيّة بما يكون كاشفا عنها من الألفاظ ولا طريق له إلى ذلك غالبا إلّا هو ، فهو ملتزم بمقتضى تعهّده أنّه متى أتى بلفظ أراد معناه ، وأيضا له التزام آخر ، وهو : جعل الكواشف مطابقة لمراداته الواقعيّة سعة وضيقا ، وهذا هو معنى تبعيّة مقام الثبوت للإثبات ، فعلى هذا ليس للمتكلّم أن يأتي بلفظ مطلق مع أنّه أراد في الواقع المقيّد ، لأنّه خلاف مقتضى تعهّده إلّا إذا نصب قرينة على أنّه لا يكون في مقام البيان ، فالمولى إذا لم ينصب قرينة على ذلك ، يؤخذ بظاهر كلامه ، ويحكم بأنّ مقام الثبوت أيضا موسّع لا تضيّق فيه تبعا لمقام الإثبات الّذي لم يكن فيه تضيّق.
وبعبارة أخرى : حيث إنّ الإطلاق رفض القيود بتمامها وعدم أخذ شيء منها ، بخلاف التقييد ، فالمولى لو تعلّق غرضه بالمقيّد ، فعليه التقييد والأخذ ،