أقول : قد تقدّم منّا في بحث العامّ والخاصّ أنّه إذا كان للكلام ظهور من جهات وعلمنا بواسطة دليل خارجيّ بخلاف الظاهر من إحدى الجهات ، لا يجوز رفع اليد من ظهوره من سائر الجهات.
مثلا : العالم في «أكرم العالم» بعد ما ظهر بقرينة الحكمة فيمن يتّصف بصفة العلم، سواء كان عادلا أو فاسقا ، وسواء كان هاشميّا أو غيره ، عربيّا أو غيره وهكذا ، فإذا ورد «لا تكرم الفاسق من العلماء» ورفعنا اليد عن ظهوره في التسوية بين الفاسق والعادل بواسطته ، فلا وجه لرفع اليد عن ظهوره في بقيّة السواءات والانقسامات ، وذكرنا هناك أنّ إلقاء الكلام إظهارا لتمام مراده ضربا للقاعدة ليكون ميزانا في ظرف الشكّ لا معنى له ، ولا بدّ من كون المراد الجدّي والواقعي مطابقا لمقام الإظهار والإفهام ، وإلّا لأخلّ بغرضه.
ثمّ لو علمنا بأنّه في مقام البيان ، لا كلام في التمسّك بالإطلاق ، كما إذا أحرز أنّه ليس في مقام البيان ، لا إشكال في عدم جوازه ، إنّما الإشكال فيما شكّ في ذلك.
والظاهر أنّه لا كلام أيضا في جواز التمسّك في هذه الصورة ، وإنّما الكلام في وجه ذلك ، مع أنّ التمسّك بالإطلاق يحتاج إلى جريان مقدّمات الحكمة ، والمفروض أنّ إحداها مشكوكة ، فربما يقال : إنّ الوجه في ذلك أنّ المقيّد حيث إنّه حصّة من المطلق مشتمل عليه لا محالة ويوجد في ضمنه ، فإذا أمر المولى بعتق الرقبة ولم يقيّده بالمؤمنة ، فيدور الأمر بين كون الرقبة واجبا مستقلّا أو واجبا ضمنيّا ، فإنّ غرضه في الواقع إمّا تعلّق بالمقيّد ، فيكون المطلق واجبا ضمنيّا ، وإمّا تعلّق بالمطلق ، فهو واجب مستقلّ ، ولا ريب في ظهور الوجوب في الاستقلالي لا الضمني.