المقدّمة الثانية ، فإذا أتى [بها] لا بقصد التوصّل ولا بعنوان المقدّميّة ، لم يأت بما هو واجب ، إذ لم يقصده ، وما قصده وأتى به لا يكون مصداقا للواجب ، ومسقطيّته للواجب وكونه محصّلا للغرض لا دخل له فيما نحن بصدده ، وهو الوقوع على صفة الوجوب ، فلا يكون تخصيص الوجوب بما قصد به التوصّل لا بمخصّص.
أقول : ما أفاده ـ قدسسره ـ متين لا شبهة فيه من حيث الكبرى (١) ، لكنّه لا ينطبق على المقام ، إذ الوجوب في المقام ليس ممّا حكم به العقل مستقلّا حتى يجري فيه ما ذكر ، بل هو ممّا حكم به الشرع ، وإنّما العقل ـ على مسلك ـ أو العقلاء ـ على مسلك آخر ـ يدركه ويستكشفه ، نظير حجيّة الظنّ عند الانسداد على القول بالكشف ، فإنّ العقل على هذا القول يكشف عن حكم الشارع بالحجّيّة عند ذلك ، ويدرك هذا الحكم الشرعي ، لا أنّه نفسه يحكم بذلك.
نعم يتمّ ما أفاده في الأحكام العقليّة العلميّة النظريّة التي كلّها راجعة إلى اجتماع النقيضين وارتفاعهما والعمليّة التي كلّها راجعة إلى حسن العدل وقبح الظلم ، ومن المعلوم المفروض أنّ المقام ليس من قبيل شيء منهما ، كما أنّ النزاع بين الأخباري والأصولي يكون في القسم الأوّل من هذه الأقسام الثلاثة ،
__________________
(١) كلام المحقّق الأصفهاني ـ قدسسره ـ من حيث الكبرى مخدوش.
توضيحه : أنّه إذا علم حيثيّة الحكم الشرعي ، التعليليّة ، نحكم بأنّه المتعلّق والحيثيّة التقييدية ، نحو : الخمر حرام لإسكاره ، لأنّه نحكم بحرمة المسكر ، ونقول : إنّ الخمر حرّمت ، لأنّها مصداق المسكر ، وأمّا الملاكات فلا نعلم كونها حيثيّات تعليليّة ، فلا فرق بين الحكم العقلي والشرعي في أنّ كلّ حيثيّة تعليليّة ترجع إلى التقييديّة ، والفرق أنّ العلم بالحيثيّة التعليليّة في مورد حكم العقل سهل ، وفي مورد الحكم الشرعي لا يمكن ذلك إلّا إذا بيّنه الشارع ، وهذا يرجع إلى الصغرى. (م).