والخطايا ، مع كفرهم بالله ورسوله واليوم الآخر. وفي هذا رد واضح على الجبرية القائلين بأن الإنسان مجبر مكره على المعصية ، ونص صريح على تعلق العقاب بما يكسبه الإنسان من السيئات.
هذا جزاء الكافرين الأشقياء الذين أنكروا البعث ولم يريدوا إلا الحياة الدنيا ومتعتها ، وألهتهم الدنيا عن التأمل في الآخرة والإعداد لها. ولما قرر الحق تبارك وتعالى حالة الفرقة الهالكة في الآخرة ، عقّب ذلك ببيان حال الفرقة الناجية ، ليتضح الطريقان ، ويرى الناظر فرق ما بين الهدى والضلال ، وهذا كله من الله لطف بعباده وتعريف سابق للمصير المرتقب في المستقبل الأخروي.
وحال الفريق الثاني هو ما قررته الآية : إن الذين صدقوا بالله ورسله ، وامتثلوا ما أمروا به ، فعملوا الصالحات ، ولم يغفلوا عن آيات الله في الكون والشريعة ، يرشدهم ربهم إلى طرق الجنان في الآخرة ، وهي التي تجري الأنهار من تحت أشجارها ومن تحت غرفها ، فيكون مستقرهم جنات الخلد والنعيم الأبدي ، جعلنا الله منهم ونجانا من عذاب النار. وعطف العمل الصالح على الإيمان دليل على استقلال كل منهما عن الآخر ، فلا يكفي الإيمان القلبي ، بل لا بد للنجاة من العمل الصالح الذي هو كالتابع للإيمان والدليل عليه والتتمة له. أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله تعالى : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) قال : حدثنا الحسن قال : بلغنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «المؤمن إذا خرج من قبره ، صوّر له عمله في صورة حسنة وريح طيبة ، فيقول له : ما أنت؟ فو الله إني لأراك عين امرئ صدق ، فيقول له : أنا عملك ، فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة ، وأما الكافر فإذا خرج من قبره ، صوّر له عمله في صورة سيئة وريح منتنة ، فيقول له : ما أنت؟ فو الله إني لأراك عين امرئ سوء ، فيقول : أنا عملك ، فينطلق به حتى يدخله النار».