أحسّ يعقوب عليهالسلام برائحة يوسف ابنه الحبيب ، وأشعره الله به ، حين أقبل به إليه ابنه الأكبر يهوذا من مسيرة ثلاثة أيام أو ثمانية ، إذ حملته إليه ريح الصّبا ، فلما خرجت إبل أولاده من مصر ، وانفصلوا عنها ، قال يعقوب ـ وهو النّبي الرسول الصادق ـ لأهله : إني لأشمّ رائحة يوسف وقميصه ، لولا أن تنسبوني إلى الفند (أي الخرف وضعف العقل) والكبر.
أخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال : لما خرجت العير ، هاجت ريح ، فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف ، فقال : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام. قال الإمام فخر الدين الرازي : والتحقيق أن يقال : إنه تعالى أوصل تلك الرائحة إليه على سبيل إظهار المعجزات ؛ لأن وصول الرائحة من هذه المسافة البعيدة أمر مناقض للعادة ، فيكون معجزة ليعقوب عليهالسلام على الأظهر أو الأقرب.
وهذا هو الراجح بتقدير الله وإرادته وقدرته حيث يطلع أنبياءه على عجائب الأمور على سبيل إظهار المعجزات على أيديهم.
قال الحاضرون في مجلس يعقوب له : والله ، إنك لفي ضلالك القديم أي حيرتك أو خطئك القديم الذي طال أمده ، بظنّك أن يوسف حيّ يرزق ، ويرجى لقاؤه.
وليس هو بالضّلال الذي هو في العرف ضدّ الرشاد ؛ لأن ذلك من الجفاء الذي لا يسوغ لهم مواجهته به. وكان حزن يعقوب قد تجدّد بقصة بنيامين ، فلذلك يقال له : ذو الحزنين.
فلما أن جاء البشير المبشّر ، وهو يهوذا ، يحمل قميص يوسف ، مبشّرا له ببقائه حيّا ، هو وأخوه بنيامين ، ألقاه على وجه يعقوب ، فانقلب فورا بصيرا كما كان ، من شدّة الفرح. وتلك معجزة أخرى ، وقال يعقوب حينئذ لمن حوله : ألم أقل لكم يا