أولادي ، إني أعلم من الله أشياء لا تعلمونها. ألم أقل لكم حين ذهبتم إلى مصر : ابحثوا عن يوسف ، ولا تيأسوا من روح الله ورحمته ، وإني لأعلم يقينا أن الله تعالى سيردّ يوسف إلي.
وحين ذاك قال الأولاد لأبيهم يعقوب مترفّقين معتذرين : (اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) أي اطلب من الله أن يغفر لنا ذنوبنا ، فإنا كنا مذنبين عاصين ، وقد تبنا وندمنا على ما فعلنا معك ومع أخوينا : يوسف وبنيامين.
روي أن يوسف عليهالسلام لما غفر لإخوته ، وتحقّقوا أيضا أن والدهم يعقوب يغفر لهم ، قال بعضهم لبعض : ما يغني عنا هذا ، إن لم يغفر الله لنا ، فطلبوا حينئذ من يعقوب أن يطلب لهم المغفرة من الله تعالى ، واعترفوا بالخطإ.
فقال لهم يعقوب : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) أي في المستقبل القريب ، في وقت السّحر آخر الليل ، لأنّ ربي غفور ستّار للذنوب ، رحيم بالعباد. وهذا الوقت ـ وقت السّحر ـ هو وقت يجاب فيه الدعاء ، لقوله تعالى : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) [آل عمران : ٣ / ١٧]. وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي والموطأ والإمام أحمد (أي الجماعة ما عدا النّسائي) عن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ينزل ربّنا كل ليلة إذا كان الثلث الآخر ـ أي من الليل ـ إلى سماء الدنيا ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يستغفرني فأغفر له؟». وروى ابن عباس ـ فيما أخرجه ابن جرير وأبو الشيخ ـ عن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أخّرهم يعقوب ، حتى تأتي ليلة الجمعة». والتوفيق بين الرّأيين : أنه أخّرهم لسحر ليلة الجمعة ، ووافق ذلك ليلة عاشوراء ، وهو رأي أكثر المفسّرين.