بجميع أعمالهم ، ويجازيهم عليها الجزاء الأوفى المناسب ، بسبب ما كانوا يعملون. وفي هذا تهديد كاف ، ووعيد قاطع شاف. جاء في حديث أحمد والبخاري : «ما من ذنب أجدر أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا ، مع ما يدّخر له في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرّحم».
وقال سفيان بن عيينة : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي تعجّل لكم عقوبته في الحياة الدنيا ، وعلى هذا قالوا : البغي يصرع أهله.
والحقّ أن إنذارات القرآن وألوان التهديد والوعيد بالعذاب لها هدف تربوي سام ، فهي من أجل توجيه الإنسان نحو الخير ، والصلاح ، والهدى والنّور ، والاستقامة على أمر الله وشكره باستعمال القوى الإنسانية في مرضاته ، وهي أيضا تحذير من الشّر وتنبيه إلى مغبّته وسوء عاقبته ، فالويل كل الويل لمن بغى على نفسه وظلم غيره ، قال الله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [النّور : ٢٤ / ٦٣].
أروع مثل للحياة الدنيا
تتميز تشبيهات القرآن الكريم لبعض الأوضاع الجسمية أو الخطيرة بالواقعية والإيجاز ، والتصوير السريع البليغ ، ليسهل إدراك الأمور على وجهها الصحيح ، ولتكون الأحوال المشاهدة خير دليل معبّر عن الواقع ، وعبرة للمتأمّل المتّعظ. فإذا تفاعل الإنسان مع منظور المستقبل وتأثّر بما يؤول إليه ، أحسّ بمسؤوليته ، وبادر إلى العمل والبناء ، والعطاء والإنتاج ، قبل أن يفوت الأوان وتضيع الفرصة. وهذا مثل بليغ للحياة الدنيا تصوّره الآية القرآنية التالية كأن رساما ماهرا يرسم مشاهدها : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ