بحسب اقتراح الكافر ، ولا باختيار معترض. وعادة الله في الأمم أنه لم يأتهم بآية اقتراح إلا ومعها العذاب في أثرها إن لم يؤمنوا ، وكأن الكلام : ما ننزل الملائكة إلا بحقّ واجب ، لا باقتراحكم ، ثم لو نزلت الآية لم ينظروا أو لم يمهلوا بعد ذلك بالعذاب ، أي لم يؤخّروا. وهذا ردّ على مقالة المشركين الأولى المطالبة بإنزال الملائكة. ثم ردّ الله تعالى على مقالتهم الثانية التي تتضمن اتّهام النّبي بالجنون ، بقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)).
أي إن الله تعالى هو الذي أنزل القرآن على الرسول النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، ونحن نحفظه ونصونه من التّبديل والتغيير الذي جرى في سائر الكتب المنزلة ، وهو تبديل اللفظ ، لا مجرد التأويل. وهذه الآية بمعنى قوله تعالى عن القرآن : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)) [فصّلت : ٤١ / ٤٢].
ثم آنس الله تعالى نبيّه وسرّى عنه وعرض له أسوة ، وهي لا يضيق صدرك يا محمد بما يفعله قومك من الاستهزاء واتّهام الجنون وغير ذلك ، فقد تقدم منا إرسال الرسل للأمم الماضية في شيعها وطوائفها وفرقها ، وكانت سيرتهم الاستهزاء بالرسل والتكذيب والكفر برسائلهم الإلهية.
وهذا الاستهزاء أو الشّرك ونحوه من التكذيب أجراه الله في قلوب المجرمين الذين عاندوا ، وتكبّروا عن اتّباع الهدى ، ومثل ذلك التكذيب والكفر الذي أدخلناه في قلوب المجرمين السابقين ، ندخله في قلوب المجرمين الجدد ، وهم لا يؤمنون بالرّسل ، وأصبح ذلك سنّة وعادة متّبعة في الماضين على هذه الوتيرة ، التي استوجبت تدمير كل من كذب الرّسل ، وإنجاء الأنبياء وأتباعهم في الدنيا والآخرة ، وسنفعل بالمجرمين اللاحقين كما فعلنا بالسابقين.
ثم أخبر الله تعالى عن شدة عناد ـ قريش وكفرة العصر بأنه لو فتحنا على هؤلاء