الصحيح في سبب نزول هذه الآية : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا ..) في المهاجرين إلى أرض الحبشة في المرحلة الأولى من الدعوة الإسلامية ، لأن هجرة المدينة لم تكن وقت نزول الآية ، وتشمل الآية كل من هاجر أولا وآخرا.
ومما لا شك فيه أن هؤلاء النخبة العالية من السابقين إلى الإسلام ، لهم فضل كبير ومنزلة عظيمة ، لمبادرتهم إلى الإيمان بدعوة النبي صلىاللهعليهوسلم في مبدأ الأمر ، حيث قل الأتباع ، وكثر الأعداء ، واستبد الأقوياء بالضعفاء ، وألجؤوهم إلى الفرار بدينهم ، والهجرة من أوطانهم ، انتصارا لمبدأ التوحيد ، وإعلاء لكلمة الله ، لذا استحقوا الخلود في تاريخ الأمة ، وهو المراد بكلمة الحسنة عند بعض المفسرين ، فهي لسان الصدق الباقي عليهم في غابر الدهر.
وكان جزاء هؤلاء المهاجرين عند ربهم إنزالهم في الدنيا منزلة حسنة ، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم ، وعلى العرب قاطبة ، وعلى أهل المشرق والمغرب ، فتكون الحسنة التي أنعم الله بها عليهم : هي المنزلة الطيبة ، والمسكن المرضي ، والموطن الأصلح وهو المدينة ، كما قال ابن عباس والشعبي وقتادة. وقال مجاهد : هي الرزق الطيب ، قال ابن كثير : ولا منافاة بين القولين ، فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم ، فعوضهم الله خيرا منها في الدنيا ، فإن من ترك شيئا لله ، عوضه الله بما هو خير له منه ، وكذلك أصبحوا سادة العباد والبلاد. (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ). أي : وثوابهم في الآخرة على هجرتهم أعظم مما أعطاهم الله في الدنيا ، لأن ثوابه هو الجنة ذات النعيم الدائم الذي لا يفنى ، ولو علم الكفار أن الله يجمع لهؤلاء المستضعفين المهاجرين ، في أيديهم ، الدنيا والآخرة ، لرغبوا في دينهم.
لقد استحق هؤلاء المهاجرون هذه المنزلة العالية ؛ لأنهم صبروا على أذى قومهم ، وعلى مفارقة الوطن المحبوب ، وهو حرم الله مكة ، وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في