والإنجيل والفرقان ، وقد أخبر الله تعالى في أوائل سورة الإسراء بإنزال التوراة على موسى عليهالسلام أحد الأنبياء والرسل الخمسة أولي العزم ، فقال سبحانه :
(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣)) (١) (٢) [الإسراء : ١٧ / ٢ ـ ٣].
عطف الله تعالى بقوله : (وَآتَيْنا) على حادث الإسراء في قوله : (أَسْرى بِعَبْدِهِ) لعقد الصلة بين الخبرين ، كأنه سبحانه قال : أسرينا بعبدنا وأريناه آياتنا ، وآتينا موسى كتاب التوراة ، فلقد أكرم الله تعالى موسى عليهالسلام ، قبل محمد صلىاللهعليهوسلم ، بالكتاب المنزل الذي آتاه أو أعطاه إياه ، وهو التوراة الذي جعله الله هداية لبني إسرائيل ، يخرجهم بواسطة ذلك الكتاب ، من ظلمات الجهل والضلال والكفر ، إلى نور العلم والمعرفة والدين الحق. وقد جعلنا ذلك الإنزال لئلا تتخذوا يا ذرية نوح من دون الله وكيلا تفوضون إليه أموركم ، فقوله سبحانه : (وَكِيلاً) أي ربّا تكلون إليه أموركم.
والمقصود : لا تتخذوا ربا تفوضون إليه أموركم ، فأنتم من ذرية أو بني نوح لصلبه ، لأن نوحا عليهالسلام ، آدم الأصغر ، وأبو البشر الثاني ، وكل من على الأرض من نسله ، وتلك الذرية : هم الذين نجاهم الله من الغرق مع نوح ، وهداهم إلى طريق التوحيد والحق والخير ، وتعداد هذه النعم على الناس في الإنجاء المؤدي إلى وجودهم ، يقتضي قبح الكفر والعصيان منهم ، كما أن أصلهم وهو نوح كان عبدا شاكرا لأنعم الله وكثير الشكر في أحواله ، يحمد الله في كل حال ، وعلى كل نعمة ، على المطعم والمشرب والملبس وقضاء الحاجة ونحو ذلك. فما على الذرية إلا أن يقتفوا أثر نوح ، ويتبعوا منهجه وسنته في توحيد الله وعبادته ، والاقتداء به.
__________________
(١) ربا تكلون إليه أموركم.
(٢) منصوب بفعل : تتخذوا ، فهو مفعول به ثان ، أي ألّا تتخذوا بشرا إلها من دون الله ، أو منصوب على الاختصاص أو على النداء ، أي أخص ذرية أو يا ذرية.