إن آثار الشّرك خطيرة ، ومزالقه كثيرة ، ومن أخطرها إنكار عالم الآخرة ، وما فيها من ثواب وعقاب ، وحساب وجنّة ونار ، لذا بادر المشركون إلى التشكيك فيما أخبر به القرآن من وجود الآخرة قطعا. فطلبوا الأخبار ، ولجّوا في الجواب ، كما تصور الآية التي مفادها : ويستخبرونك أيها الرسول عن وقوع عذاب الخلد في الآخرة ، أحقّ أنه سيقع على جرائم الدنيا ، أم أنه مجرد تخويف وترهيب؟ فقل لهم أيها الرسول : نعم إنه والله واقع ، إنه لحقّ ثابت ماله من دافع ، والوعيد صدق قائم ، وما أنتم بمعجزين ، أي بفائتين العذاب ، أو متخلّصين منه ، وليس صيرورتكم ترابا بمعجز الله عن إعادتكم كما بدأكم ، فإن قدرة الله شاملة وافية بتحقيق أي شيء ممكن.
لكن إذا جاءت القيامة فلا أمل بالفرار منها ، وإذا قامت القيامة يودّ الكافر الظالم أن يفتدي نفسه من عذاب الله بملء الأرض ذهبا ، (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) أي أخفى الكفار الندامة وهي : ما يعانونه في أنفسهم من الألم والحسرة على أفعالهم الشنيعة وأعمالهم الضّارة ، لمّا عاينوا العذاب الشديد ، فصاروا مبهوتين متحيرين ، علما بأنه لا ظلم في الحساب يوم القيامة ، فإن الله تعالى يحكم بين الظالمين والمظلومين بالعدل ؛ لأن الكفار وإن اشتركوا في العذاب ، فإنه لا بد من أن يقضي الله تعالى بينهم بالحق ، رفعا لما ظلم به بعضهم بعضا في الدنيا ، فيكون في القضاء تخفيف عذاب بعضهم ، وتثقيل عذاب الباقين. وهذا إخبار للكفار في سياق إخبارهم بأن وعد الله بالبعث ووعيده حق.
وأتبع الله ذلك الإخبار أو الاعلام بأن الملك كله لله ، وأنه المعاقب ، فإن الله مالك السماوات والأرض ، وكل الأشياء في ملكه وفي سلطانه ، وأكّد سبحانه أن وعده حقّ كائن لا محالة ، ولكن أكثر الكفار منكري البعث والجزاء لا يعلمون أمر الآخرة والمعاد ، لغفلتهم عنها ، وعدم إيمانهم بالإله القادر الحكيم ، وتلك حقيقة