القادر على عقابهم وإيقاع العذاب الشديد بهم. وفي هذا تقوية لعزيمة الرّسول صلىاللهعليهوسلم ، لكي يظلّ قائما بدعوته ، ماضيا في تبليغ رسالته ، غير آبه بما يلقى من المصاعب ، ولا خائف من أحد. وهذه المعاني تتمثل في الآيات التالية :
(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧)) (١) (٢) [يونس : ١٠ / ٦٥ ـ ٦٧].
لم يترك المشركون في مكة وسيلة لإيذاء النّبي صلىاللهعليهوسلم إلا ارتكبوها ، فحينما بدّد القرآن شبهاتهم الفكرية وردّ عليها ، لجؤوا إلى طريق آخر ، وهو التّهديد والتّخويف بأنهم أصحاب السلطة والمال ، والقوة والنفوذ ، فلا مجال للضعفاء والفقراء بينهم ، ولا سبيل لمحاولة بسط النفوذ عليهم من خلال أي شيء في دنيا العرب ، لا بدعوة إلى الدين الجديد ، ولا بغير ذلك من وسائل الهيمنة كما يتصورون.
فجاءت آيات الوحي القرآني تواسي محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وتشدّ عزيمته ، ومعناها : لا يهمّك ولا يحزنك أيها الرسول قول المشركين أبدا : لست مرسلا ، وغير ذلك من المعارضة والإصرار على الشّرك والتّكذيب لرسالتك ، والتهديد بأنهم أصحاب القوة والمال ، واستعن بالله عليهم ، وتوكّل عليه ، فإن العزّة ، أي الغلبة والقوة والقهر لله تعالى جميعا ، جميعها له ، فهو مصدرها ومانحها لمن يشاء من عباده ، كما جاء في آية أخرى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون : ٦٣ / ٨].
والله سبحانه هو السميع لجميع ما يقولون ، والعليم بما في نفوسهم من ذلك ، وفي ضمن هذه الصفات تهديد.
__________________
(١) إن القهر والغلبة لله تعالى.
(٢) أي يحسدون ويخمنون ويكذبون فيما ينسبونه إلى الله تعالى.