وأما إذا خلا عما ذكرنا فكان لا يوهم بالرضى ، ولا يفتتن ، ولا ينكر ، فاختلف العلماء في ذلك.
قال الحاكم : فمنهم من أوجب الميل لظاهر الآية.
قال الحاكم : وروي أن قوما أخذوا على شراب فضربوا الحد وفيهم صائم ، فقيل لعمر بن عبد العزيز : إن هذا صائم فتلا قوله تعالى : (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) [النساء : ١٤٠]
وهذا أيضا ظاهر الحديث : «لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو ينتقل».
قال الحاكم : ويحتمل أن وجوب المفارقة خاص في المستهزئ ، لعظم ذلك ويحتمل أن يكون عاما في كل منكر ، وقد قال ابن عباس ما تقدم : إنه يدخل في هذا كل محدث في الدين.
وقال أبو علي ، وأبو هاشم : إذا أنكره بقلبه لم يجب عليه أكثر من ذلك ، وجاز له القعود ، يعني مع عجزه عن الإنكار باليد أو اللسان ، وعدم تأثير ذلك.
قال الحاكم : وقد قيل : إن النهي عن القعود معهم إذا أمكنه النكير ولم ينكر ، وقيل : كان القعود محرما ، وعند نزول الآية كان لا يحل للمسلمين أن يقعدوا معهم إذا استهزءوا ، فنسخ بقوله تعالى في سورة الأنعام : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٦٩] وهذا مروي عن ابن عباس.
وقال قاضي القضاة وغيره : لا نسخ في الآية.
قال القاضي ، والحاكم : أما لو كان له حق في تلك البقعة فله ألا يفارق كمن يحضر الجنائز مع النوح ، أو الولائم فيسمع المنكر فيسعه أن يقعد ، والنكير على قدر الإمكان واجب عليه.