[٢ / ٥٤٥] وأخرج عن الربيع بن أنس في قوله : (فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) قال : مثلهم كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة ولها مطر ورعد وبرق على جادّة (١) ، فلما أبرقت أبصروا الجادّة فمضوا فيها ، وإذا ذهب البرق تحيّروا. وكذلك المنافق كلّما تكلّم بكلمة الإخلاص أضاء له ، فإذا شكّ تحيّر ووقع في الظلمة ، فكذلك قوله : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) ثمّ قال : في أسماعهم وأبصارهم الّتي عاشوا بها في الناس : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ)(٢).
[٢ / ٥٤٦] وقال مقاتل بن سليمان : ثمّ قال ـ سبحانه ـ : (يَكادُ الْبَرْقُ) الّذي في المطر (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) يعني يذهب بأبصارهم من شدّة نوره. يقول ـ سبحانه : مثل الإيمان إذا تكلّم به المنافق مثل نور البرق الّذي يكاد أن يذهب بأبصارهم (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ) البرق (مَشَوْا فِيهِ) يقول كلّما تكلّموا بالإيمان مضوا فيه يقول : ويضيء لهم نورا يهتدون به (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ) البرق أي ذهب ضوءه (قامُوا) في ظلمة لا يبصرون الهدى (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) فلا يسمعون (وَأَبْصارِهِمْ) فلا يرون أبدا ، عقوبة لهم (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) من ذلك وغيره (٣).
[٢ / ٥٤٧] وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : إضاءة البرق وإظلامه على نحو ذلك المثل (٤).
[٢ / ٥٤٨] وأخرج عن سعيد ، عن قتادة في قوله : (فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) إلى قوله : (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) قال : فالمنافق إذا رأى في الإسلام رخاء أو طمأنينة أو سلوة من عيش ، قال : أنا معكم وأنا منكم ؛ وإذا أصابته شدّة حقحق (٥) والله عندها فانقطع به (٦) فلم يصبر على بلائها ، ولم يحتسب أجرها ، ولم يرج عاقبتها (٧).
[٢ / ٥٤٩] وأخرج عن معمر ، عن قتادة في قوله : (فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) يقول : أخبر عن قوم لا يسمعون شيئا إلّا ظنّوا أنّهم هالكون فيه حذرا من الموت ، والله محيط بالكافرين. ثمّ ضرب لهم مثلا آخر فقال : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) يقول : هذا المنافق ، إذا كثر ماله
__________________
(١) الجادّة : الطريق اللائح.
(٢) الطبري ١ : ٢٢٥ / ٣٨٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٩ / ٢١٠ و ٢١٢.
(٣) تفسير مقاتل ١ : ٩٢ ـ ٩٣.
(٤) الطبري ١ : ٢٢٤ / ٣٨٢.
(٥) الحقحقة : الوقفة في السير لشدّة التعب.
(٦) يقال : انقطع به السير أي وقف فلم يطق الحراك.
(٧) الطبري ١ : ٢٢٤ / ٣٨٣.