ملحوظة
ما نجده من أوصاف جاءت عن أحوال الآخرة ووصف نعيمها وجحيمها ، إنّما هي تمثيلات وتشبيهات تحمل معاني أخر غير ظاهرها ، وهي في عين الواقعيّة تمثّل أمورا تفوق تصوّرات الإنسان وهو على سطح البسيطة ، الأمر الّذي لا يعني أن لا واقعيّة لها ، بل هي حقائق راهنة جاءت في قالب التشبيه والتنظير.
فكما أنّ الماء الغدق يطلق على العلم النافع والهدى الشامل ، إطلاقا شائعا بالمجاز والاستعارة ، مع الحفاظ على واقعيّة المستعار له وأصالته الذاتيّة ، كذلك التعابير المجازيّة عن نعم الآخرة وملاذّها وكذا شدائد عقوباتها ، كانت بالمجاز والكناية ، تشبيها وتنظيرا.
نعم هي حقائق تتحمّل مثل هذه التعابير ، وإن لم تكن بنفس معانيها المعهودة في عالم الدنيا. كما أنّ العلم يتحمّل إطلاق الماء عليه ، إطلاقا بالمناسبة القريبة ، ذاك منشأ أصل الحياة المادّيّة وهذا منشأ ازدهار الحياة المعنويّة ، فتناسبا فصحّ الإطلاق في كلا الجانبين. وإن كان في أصل الوضع اللغويّ ، أحدهما حقيقة بالمواضعة ، والآخر مجازا (استعارة) بالمعارفة والمناسبة القريبة. غير أنّ الإطلاق في كلا الجانبين إطلاق صحيح رائج شائع ، وكلاهما تنبئ عن واقعيّة راهنة لا محيد عنها. وليس هناك تخييل مجرّد في فراغ هائم. كلّا لا خداع ولا رميا في ظلام.
ذكر بعض أساتيدنا أنّ كائنات ماوراء المادّة ليست ممّا تدرك بهذه الحواسّ الّتي خلقت مادّيّة ولأجل إدراك ما يناسبها من المادّيّات ، أمّا الكائنات الّتي تفوق المادّة ، فإنّ هذه الحواسّ ـ وحتّى الحاسّة الذهنيّة ـ تقصر عن إمكان إدراكها وحتّى تصوّرها ، بهذه الآلات والأدوات الّتي خلقت لإدراك ما في هذا العالم المادّي فحسب.
إذن فلا بدّ في تصويرها من اللجوء إلى ضرب من التمثيل والتشبيه ، من قبيل تشبيه غير المادّي بالمادّي بنحو من التمثيل المقرّب إلى الأذهان ، هذا فحسب. فما تلك التعابير عن كائنات ماوراء الغيب سوى استعارات جاءت بالمناسبة ، ومن غير أن تكون تعابير تنمّ عن نفس مفاهيمها المعهودة في عالم المادّة.