فقد كلّفوا حمل أمانة الله في الأرض ، لكن القلوب الحيّة الواعية هي الّتي تطيق عبء هذه الأمانة ، وقد افتقدها هؤلاء فلم يصلحوا لحملها ومرافقتها.
***
وإن كان حجاجا كان برهانه أنور ، وسلطانه أقهر ، وبيانه أبهر. قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ)(١).
وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(٢).
قال ابن معصوم ـ في قوله تعالى : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ)(٣) ـ : إنّه من التمثيل اللطيف ، مثّل الاغتياب بأكل الإنسان لحم إنسان آخر مثله ، ثمّ لم يقتصر عليه حتّى جعله لحم الأخ وجعله ميّتا ، وجعل ما هو في غاية الكراهة موصولا بأخيه. ففيه أربع دلالات واقعة على ما قصدت له مطابقة المعنى الّذي وردت لأجله : أمّا تمثيل الاغتياب بأكل لحم المغتاب فشديد المناسبة جدّا ، لأنّه ذكر مثالب الناس وتمزيق أعراضهم.
وأمّا قوله : (لَحْمَ أَخِيهِ) فلما في الاغتياب من الكراهة ، وقد اتّفق العقل والشرع على استكراهه.
وأمّا قوله (مَيْتاً) فلأجل أنّ المغتاب لا يشعر بغيبته ولا يحسّ بها (٤).
***
قال الشيخ عبد القاهر : وإن كان افتخارا كان شأوه أبعد ، وشرفه أجدّ ، ولسانه ألذّ ، قال تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى
__________________
(١) العنكبوت ٢٩ : ٤١.
(٢) البقرة ٢ : ٢٦٤.
(٣) الحجرات ٤٩ : ١٢.
(٤) أنوار الربيع ٣ : ١٧٩.