كريّ ـ هي الأرض ـ إنّما تعني الإحاطة بها من كلّ جانب.
وأيضا فإنّ السماء الدنيا ـ وهو الفضاء الفسيح المحيط بالأرض ـ هي الّتي تزيّنت بزينة الكواكب (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها)(١). والظاهر يقتضي التركيز فيها ، وإن كان من المحتمل تجلّلها بما تشعّ عليها الكواكب من أنوار!
ويبدو أنّ هذا الفضاء الواسع الأرجاء ـ بما فيه من أنجم زاهرة وكواكب مضيئة لامعة ـ هي السماء الاولى الدنيا ، ومن ورائها أفضية ستّ في أبعاد مترامية ، هي مليئة بالحياة لا يعلم بها سوى صانعها الحكيم. (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)(٢).
والعقل لا يفسح المجال لإنكار ما لم يبلغه العلم ، وهو في بدء مراحله الآخذة إلى الكمال.
نعم ، يزداد العلم يقينا ـ كلّما رصد ظاهرة كونيّة ـ أنّ ما بلغه ضئيل جدّا بالنسبة إلى ما لم يبلغه ، وتزداد ضآلة كلّما تقدّم إلى الأمام. حيث عظمة فسحة الكون تزداد ابّهة وكبرياء كلّما كشف عن سرّ من أسرار الوجود وربما إلى غير نهاية ، لا سيّما والكون في اتّساع مطّرد : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)(٣).
هذا وقد حاول بعضهم ـ في تكلّف ظاهر ـ التطبيق مع ما بلغه العلم قديما وفي الجديد من غير ضرورة تدعو إلى ذلك. ولعلّ الأناة ، حتّى يأتي يوم يساعد التوفيق على حلّ هذا المجهول من غير تكلّف ، كانت أفضل.
يقول سيّد قطب : لا ضرورة لمحاولة تطبيق هذه النصوص على ما يصل إليه علمنا ، لأنّ علمنا لا يحيط بالكون حتّى نقول على وجه التحقيق : هذا ما يريده القرآن. ولن يصحّ أن نقول هكذا إلّا يوم يعلم الإنسان تركيب الكون كلّه علما يقينيّا ، وهيهات ... (٤).
وإليك بعض محاولات القوم : حاول بعض القدامى تطبيق التعبير الوارد في القرآن على فرضيّة بطلميوس لهيئة الأفلاك الّتي هي مدارات الكواكب فيما حسبه حول الأرض (٥). ولكن من غير
__________________
(١) ق ٥٠ : ٦.
(٢) الإسراء ١٧ : ٨٥.
(٣) الذاريات ٥١ : ٤٧.
(٤) في ظلال القرآن ٢٨ : ١٥٢.
(٥) زعموا أنّ الأرض في مركز العالم ، وأنّ القمر وعطارد والزهرة والشمس والمرّيخ والمشتري وزحل سيّارات حولها ، في مدارات هي أفلاك متراكبة بعضها فوق بعض بنفس الترتيب. وكلّ واحد منها في فلك دائر حول الأرض من الغرب إلى