الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ. إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ)(١).
وقال سبحانه : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً)(٢).
وقال عزّ من قائل : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ. إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ)(٣).
غير خفيّ أنّ الشهب والنيازك إنّما تحدث في الغلاف الغازي (الهواء) المحيط بالأرض وقاية لها ، وقدّر سمكه بأكثر من ثلاثمائة كيلومتر. وذلك على أثر سقوط أحجار هي أشلاء متناثرة في الفضاء المتبقّية من كواكب اندثرت تعوم عبر الفضاء ، فإذا ما اقتربت من الأرض انجذبت إليها بسرعة هائلة ما بين ٥٠ و ٦٠ كيلومترا في الثانية ، تخترق الهواء المحيط بالأرض ، ولاحتكاكها الشديد بالهواء من جهة ولتأثير الغازات الهوائيّة من جهة اخرى تحترق وتلتهب شعلة نار لتتحوّل إلى ذرّات عالقة في الهواء مكوّنا منها الغبار الكوني. وهي في حال انقضاضها ـ وهي تشتعل نارا ـ ترى بصورة نجمة وهّاجة ذات ذنب مستطيل تدعى الشهب والنيازك.
فليست الشهب سوى أحجار ملتهبة في الهواء المحيط بالأرض ، قريبة منها! فما وجه فرضها نجوما في السماء يرجم بها الشياطين الصاعدة إلى الملأ الأعلى؟!
لكن يجب أن نعلم قبل كلّ شيء أنّ التعابير القرآنيّة ـ وهي آخذة في الحديث عن كائنات ماوراء الطبيعة ـ ليس ينبغي الأخذ بظاهرها اللفظي ، حيث الأفهام تقصر عن إدراك ما يفوق مستواها المادّي المحدود ، والألفاظ أيضا تضيق عن الإدلاء بتلك المفاهيم الرقيقة البعيدة عن متناول الحسّ.
وبتعبير اصطلاحي : إنّ الأفهام وكذا الألفاظ محدودة في إطار المادّة الكثيفة ، فلا تنال المجرّدات الرقيقة.
وعليه ، فكلّ تعبير جاء بهذا الشأن إنّما هو مجاز واستعارة وتمثيل بلا ريب.
فلا تحسب من الملأ الأعلى عالما يشبه عالمنا الأسفل ، سوى أنّه واقع في مكان فوق أجواء
__________________
(١) الصافّات ٣٧ : ٧ ـ ١٠.
(٢) الجنّ ٧٢ : ٨ و ٩.
(٣) الحجر ١٥ : ١٦ ـ ١٨.